إلى (ن) ….
ثقيلةً كانت أمانتك؛ وثمينةً كانت هديتك؛ ومتعِبة!
وأنت هناك في مغتربك خلف رزقك تسعى؛ فيما روحك الصاحية تسرح هنا… في السويداء التي صارت خريطة صغيرة لسورية الكبيرة… بعثت بتحيتك وبجزء غير قليل من جنى يديك ويدي رفاقك لترتاح إذ تهتف من هناك:
سوريٌّ أنا!
أتعبتني في المشي يوم أمس …
موجعا كان مشوارنا؛ ولازماً ـ كل اللزوم، وشافياً ـ بعض شفاء …
أردفتني خلفك لاقطة ً تجمع سنابل غفلت عنها أيادي حاصداتٍ مذعورات في قرى حوران… وأخرى لاذت من حريقٍ تغذّى على سهولها اليانعة
و يمّمنا محيط الشام… نقيم صلاة الضمير في مسجد في “الست زينب ” لربٍّ لا طائفة له …
إلى زملكا وعربين… نلمّ من أرضها خسّاً طريّا مشت عليه سنابك الخيل …
إلى طريق بيروت لا نخشى من قطف مزارع الصبار؛ فلم تبق في واحدة منها شوكة تخزنا بها …
إلى الزبداني… يستوقفنا مشمشها الحلو و قد صار قديداً على الأغصان …
وفي دوما يطلّ البائع الجوال من خلف عربته الفارغه …
يريد أن يصيح ؛ ولسانه مقطوع …
يريد أن يقول: دوماني يا عنب!.. وعنب دوما في ذمة الشمس وما بقي من عصافير لم تفرّ من هناك …
إلى حمص حيث حارتك العتيقة تشتاق ساكنيها…ومن شقوق جدرانها تفوح رائحة حلاوة محمّضة أو محروقة …
إلى مزارع حماة… نغرف السمن البلديّ المدلوق على تربتها الثكلى …
ومن إدلب نجمع قشر الفستق اليابس لنوقد تحت الحلل المنصوبة في العراء …
لم يلاقنا أحد من حلب… أعمى الدخان عيونهم ..ولم يدلّهم حتى إلى ملجأ …
ولم يهبّ لملاقاتنا نشامى دير الزور… فجسر مدينتهم مشروخ …
وصوتنا خافت مكموم…
ملحوظة (1): خجلنا لأننا لم نكن سوى ذرة صغيرة ..صغيرة وسط قفير النحل العامل …
ملحوظة (2): لم نكن وحدنا …كانت معنا ابنتك …تسير حثيثة وقد تخفّفت من راتبها الشهري كاملا ، وضمّته إلى هديتك، غير مكترثة كيف ستتدبر أمرها حتى موعد الراتب القادم…و كذلك رفاقك الذين لم يشتكِ أحدهم من تعب المشوار…
ملحوظة (3): كم الدنيا صغيرة!…بعض هديتك صار رمقاً وحيداً لبعض القريبين منك ممّن هُجّروا من بيوتهم وصاروا ضيوفا في بيوتٍ طالما استضافوا أصحابها من قبل… أنت لا تعلم أنهم حتى الأمس كانوا قد أنفقوا مدّخراتهم ، وباعوا كل ما يمكن بيعه من أغراضهم ، وصارت وجوههم للريح … الريح التي لا تصدها سوى أيادي الخير