الحلاج السوري
يلاحظ المتابع لمواقف الشيوعيين منذ بدء الثورات العربية, وخصوصاً عند انتقالها إلى ليبيا ومن ثم سوريا, خطاباً متخلفاً لا يمت إلى الواقع بأي صلة, خطاباً كاد يشعرنا جميعاً بأن ربيع الشعوب العربية, خريف لمعظم القوى السياسية اليسارية, حيث ظهر خطابها وسلوكها و أداءها لا يليق إطلاقاً بكم المتغيرات الحاصلة, وفي قناعتي الشخصية لا يليق حتى بالمنهج المادي الجدلي في التفكير, والذي يعتبر الخلفية النظرية للشيوعيين في تشكيل قناعاتهم ومواقفهم.
الشيوعيون والثورات العربية
أعلنها جزء أساسي منهم منذ بدء الانتفاضة العربية, أن هذه الثورات لا تعدو عن كونها مؤامرة شاملة هدفها إعادة إنتاج النظام الرأسمالي التابع, هؤلاء يحصرون أدمغتهم في قضي أساسية واحدة هي التبعية وضرورات فك التبعية – يقدم للموضوع وكأن الأنظمة البائدة أو التي في طريقها لذلك, كانت ذات قرار سيادي مستقل في شتى المجالات “.
ليست قضيتي هنا مناقشة طريقة تفكير هؤلاء, فهم لا يعبرون عن تيار أو نمطية سائدة وخصوصاً لدى القوى الشبابية, بل يعبرون عن عقلية عجوز, وأنماط تفكير مرتجلة وعشوائية وخصوصاً أن معظمهم قد تعلموا الماركسية في ظروف غير مهيأة علمياً لتلقي علم يحتاج إلى مستوى متقدم من المرونة والقدرة على التطوير الذاتي – أقصد ظروف المدارس الحزبية في الإتحاد السوفييتي في سنوات انهياره الأربعين الأخيرة,
وهناك في المقابل مجموعات ” معظمها شبابية ” أو تمتلك تلك الروح الشبابية. وقفت منذ البدء مع هذه الثورات لسبب أو لأخر, منهم من كانت أسبابه شخصية عاطفية ” يحركها الموقف الأخلاقي تجاه أنظمة مارست القتل الشنيع ومارست خلال عقود أنماط من الفساد لا يمكن تحمله أخلاقيا “, وهناك من غاص في العمق ليحدد طبيعة هذه الأنظمة ويعلم أنها بلغت السقف وأن بقاءها أصبح عامل نكوص في الواقع الاجتماعي والموضوعي, وكذلك غاص في طبيعة الثورات ليعلم أنها حالة ديناميكية حمالة أوجه وكما أنها تنطوي على احتمالية إعادة للتبعية فإنها تحتوي وبنفس المقدار على احتمالية تحويلها لثورة حقيقية بالمعنى الطبقي للكلمة.
لعل الظرف الموضوعي للحديث عن ثورة بالمعنى الطبقي مهيأ جداً سواء على المستوى الدولي ” الاحتجاجات الدولية ضد الرأسمالية وتفسخ النظام الرأسمالي من داخله ” أو على المستوى الوطني ” تفاقم الهوة بين الفقراء والأغنياء في بلدان الثورة ” .ما يعيق هذا التحول هو العامل الذاتي المتمثل في وعيينا للماركسية قبل أن يكون متمثلاً في الأحزاب فالأزمة التنظيمية والسياسية للقوى اليسارية, هي أزمة وعي هذه
القوى للماركسية و للمادية الجدلية تحديداً.
هناك جملة من المفاهيم التي ترافقت مع الثورة ويتحمل مجموعة من المفكرين الماركسيين مسؤولية نشرها, رغم أنها مغايرة ومخالفة لألف باء الماركسية, ولعل أهم تلك المفاهيم اعتبار الدولة الوطنية هي الحامي والضامن لمجاميع طائفية وفئوية لا ترقى لمستوى شعب, وعلى هذا فإن انهيار أنظمة هذه الدول يفتح الباب واسعاً أمام احتمالات انهيار هذه الدول بما يعنيه ذلك من احتمالات حرب أهلية بين تلك المجاميع. رغم أن تعريف الدولة الوارد المتوافق مع الوعي الماركسي والوارد في مؤلف لينين الشهير ” الدولة والثورة ” هو أن الدولة هي جهاز قمع بيد الطبقة المسيطرة.
نتحدث هنا عن جهاز قمع لا بيد جهة هي أعلى مرتبة من الشعب لتقوم بضمان حماية مجاميع طائفية لا تشكل شعباً, بل نتحدث عن طبقة من الشعب قد تكون شعبية, ولكنها ليست كذلك إطلاقاً في دول الربيع العربي, حيث تعبر الطبقة الحاكمة عن مصالح طبقة البيروقراط الفاسد الذي راكم أموالاً خلال عقود طويلة من الفساد, ثم تحول بهذه الأموال نحو الليبرالية الجديدة, هذا التوصيف يشمل الأنظمة العربية كاملة, فمجمل أثرياء العرب هم من ” محدثي النعمة المتخمين “.
ما يمكن قوله اليوم أن الباب لم يغلق نهائياً حول عودة الفكر الشيوعي ليكون تياراً تلتف حوله جماهير الكادحين. لا لأننا لم نخطئ بهذا المقدار الكافي ليغلق الباب, بل لأننا في مسارات العلوم الاجتماعية وفي ظل الوعي العلمي الذي نمتلكه نعلم ألا وجود للمطلق, فلا يمكن للباب أن يغلق نهائياً, بل هناك دائماً جملة من الأضداد تفعل فعلها في الواقع الموضوعي بشكل جدلي دائم. لذا فأعتقد أنه يجب البدء
بلقاءات مكثفة وعملية بين الشيوعيين ممن تبنى مطالب الشارع العربي الديمقراطية ولم يجعل من النظرية مبرراً له لكي يقف في صف الأنظمة.
أعتقد أن هؤلاء هم من يمكن التعويل عليهم لأجل إعادة الاعتبار للحركة الشيوعية العربية, ولو أتيح لهم اللقاء على الأرض والاتفاق على جملة مفاهيم نظرية بدءاً من الماركسية وصولاً إلى مفهوم الدولة والطبقة والشعب والثورة. لأمكن في المستقبل أن يشكل هؤلاء تيارات شيوعية في دولهم يمكن لها أن تنسق معاً بهدف إعادة الاعتبار للحركة الشيوعية العربية.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.