الصفحة الرئيسية / تجريب / الطفل عندمنعطف النهر (١٢)
تفصيل من لوحة للفنان اسماعيل الرفاعي

الطفل عندمنعطف النهر (١٢)

اسماعيل الرفاعي

١٤ تشرين الأول ٢٠١١

 

١٢-

ليلى داونز.. شافيلا فارغاس.. فريدا كاهلو.. لا لرونا.. أغنية المرارات تئن في غابة عائمة.. لامطر هناك، الغيم فقط يغلي في بحيرة الجفون.. ليلى داونز.. تتساقط ندف الثلج عن وشاحك الأسود، لحظة إذاً.. هذا النوع من النشيج يتطلب كرسيّاً من القش، ورشفة من عرق الريّان على الجسر المعلّق.. يتطلّب أصدقاء من طراز فراتي خالص، حتى تسري الخمرة جيّداً، وتأخذ نشوة السّكر مسارها الصحيح.

الصنّاجات.. نايات القصب.. وهّبات متتالية من ريح الشمال على أعواد الزل.. ليلى داونز.. تمهّلي عند فصلٍ واحد، كفى أصابعك نقراً على قيثارة الفصول كلها, دعيني أقطّر من صوتك ما أريد: النخيل، لظهيرة مراهقة في حارة الضويحي.. النبيذ، للقبلة الأولى التي قطفتها في غرفة العلية.. رائحة المطر، لألعاب الحارة في مساءات الشتاء.. رعشة الصفصاف، لارتباك امرأة عرفتها لليلة واحدة.. ولصبية ماتزال تضفر ذيل حصانها بانتظاري.. بحة الصوت لي، ولازمة الدموع لموليا الفرات.

وهناك أيضاً مايشبه نمشاً تناثر على الوجنتين، لقطة ساحرة من فيلم قديم .. ذكرى معرشة على أغصان العمر.. كمنجة لا ترحم.. وهناك ما يشير إيضاً إلى سوريا.. هكذا كما ينبغي لها أن تكون.. ياسمين يلقي بظلاله على الإسفلت، يتسلق حواري دمشق القديمة.. شارع العابدين يتهجد على سجادة الغوطة، عين الفيجة تدمع على شهداء دوما.. أعراس حرستا في الصالحية.. منير يلوّح لغفار، غسّان شمّا يغطّي على هروبي من خدمة العسكر، حافلة لا ألحق بها.. صباح شتائي قارس، مدفأة تستوقد حطب الأغاني، لمة الأصدقاء في مخيم اليرموك، أعواد الثقاب في فم كاسر حباش.. قيثارته الفاجرة، صفيره الحزين على نافذة ماريا.. أكورديون أمير، تصوّف يوسف عبود.. قصائد فواز قادري، شجرة النارنج في تكية النقشبندي.. رقصة بيروين.. كرم محمد الغضب.. شفافية ماهر العاني.. فوضى هشام الغدو.. وأشياء أخرى لا تفصح عنها الأغنية.. أشياء تتسلل دون مسمّيات.. رعشة فقط.. خدر.. قشعريرة في الضلوع.. ابتسامة تطفو على الوجه، ضوء باهر في العيون.. أشياء هكذا.. حميمة جداً، خاصة جداً.. أشياء هكذا، لا سبيل إلى شرحها، لكنها تشبه تماماً سفح قاسيون.. تشبه دمشق تماماً.. تشبه دمشق.

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.