الصفحة الرئيسية / زوايا / وإن ألمّ بي ضعف…

وإن ألمّ بي ضعف…

نجاة عبدالصمد
من النافذة الخلفية
خاص بدحنون
 

وإن ألمّ بي ضعفٌ أعصب قلبي بصبر النساء على المحن.

أعصبه بقامات نساء سورية التي ما انحنت من ثكلٍ ومن فقرٍ ومن تهجير. هبّت من مآدب الموت ترعى طقوس الحياة تتحضّر لزحف الشتاء قبل أن يفرد مآدبه، تجمع بنادك الحطب الثقيل عودا فوق عودٍ من البراري الوعرة. لم تقطع شجرة، ولم تسرق بيتا، ولم تسلم أرواحها للتعب، ولم تطلب الأعطيات من أحد، ولم ترمِ أحمالها ولم تتوقف في نصف الطريق.

أعصبه بعزم الفتى الذي ضربوه بالعصا الكهربائية على كليته الوحيدة، وبال دما، وعاد وخرج في المظاهرة التالية.

أعصبه بثبات خطو الطفل على ثلوج المخيم بفردة الحذاء الصغيرة السوداء والفردة الكبيرة الزرقاء المفتوحة الأصابع  يسرح ويغني للفراشات السارحة  في سماء مشمسةٍ لا يراها سواه.

أعصبه بجذور الشجر الذي جمّده صقيع كانون وأقسم أن سيورق في آذار أو نيسان.

أعصبه بصوت العقل الذي لم يطله الخراب، بأوردة لم ينسفح دمها الحارّ بعد على طهر التراب المدلّل.

أعصبه بودائع الشهداء وضمائر الأحياء، وصورة الوطن الحلو في عيون الفقراء.

أعصبه بذلك النداء الأول: ” الموت ولا المذلّة…”

covers

 

19/1/2013

 

 

 

عن نجاة عبد الصمد

نجاة عبد الصمد
طبيبة جراحة وكاتبة. صدر لها في الترجمة عن الروسية: مذكرات طبيب شاب (قصص). الشباب جسد وروح (كتاب طاولة). بلاد المنافي (رواية). غورنيكات سورية (مرويات).

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.