الصفحة الرئيسية / تجريب / نميريات – ١

نميريات – ١

مصعب النميري
خاص بدحنون
 

 

الكابوس طويل
والصدر مطبقٌ على بعضه كأحجار الرحى
والأنفاس تلج الخرم الضّيق فيها, بصعوبة بالغة
من الواضح أن هذه الأنفاس
 بعد قليل من الان ستكون كسرة يابسة في مجرى النهر الهادر
وستفشل كل المحاولات في التقاطها

 

……
“مجزرة نهر قويق”

الأرواح لها شأن آخر هذا المساء
الأرواح مكدسة في حقائب خاكيّة اللون, بلون العشب الميت

ومعلقة على كتف النهر
النهر الذي سيصبّ في سبخة المطخ عما قليل
 دون أن ينتبه أنه لم يكن ثمة من رافدٍ له

إلا خيوط الدم التي انثالت عبر الشقوق الاسمنتية

 

…….
حالي كحال الناس والأشياء, أنتظر خللا طارئا على الخلل الأصلي في هذه السيرورة.

ثمة يقين راسخٌ أن شيئا ما سيحدث, شيء ما سيقلب الحال رأسا على عقب, ليس واضحا كيف ومتى, بل ليس مهماً, المهم أن يحدث, بأي صورة كان.
أن تتغير الأمور.
لا يعني بالضرورة أن يعود الموتى إلى حياتهم من جديد, يكفي أن لا تكون وجوههم ساطعة في الأشياء بهذه الحدة.
ولا يعني أن تكون أطراف البدن عصيّة على التشظي, يكفي أن يفقد الناس الذين التمّوا بعد المجزرة ذاكرتهم, فلا يشهق أحدهم وهو يشير إلى ذراع ملقاة على الرصيف, ببرود بنفسجي قائلا: هذه لفلان!
ولا أن ننسى أسماء المدن , يكفي ان لا يفضحنا الحنين بالتماع العيون, حين يجيء ذكرها, كأن يقال “حوران”, فنلتفت هكذا فجأة, دون أن ندري.
ولا يعني بالضرورة أيضا, أن أكتب ما يدور في ذهني, باحتراز شديد, موارياً فيض الشجى, يكفي أن لا أرى صفائح دمي تنزلق على الورق أمامي.

 

…….
أهلي وأعرفهم
كل مايقال حول عودة السوريين إلى ماكانوا عليه, محض هراء
انتظروا قليلاً, حتى تنقشع الغشاوات عن النواصي, ويهمد الغبار الكثيف عن كاهل الجو, ويستقرّ خيط الدم النسّالُ في بركة ما, حين تضع الحرب أوزارها.
لن يحول بينهم وبين قبور ذويهم شيء, سوف يتقاطرون عليها, كقطيع من النمل ألفى قصعة سكّر, وسينبشونها بانهماكٍ شديد, ويخرجون ما زاد من الرميم فيها, ويهزونه مثلما يفعل البدو باللبن – بغية بعثها – هكذا إلى ماشاء الله من لهم العجز.
ثم إنهم لن يتخلفوا عن حشو مواويلهم في المئة عام القادمة, بالآه و الأوف و الإيه و الأواه و الواه، ولو أن إحداها كفيلة بأن تقطع نياط القلب المنفوخ كالقطّة الحبلى.
سيكون كل شيء أسوداً مطموس المُحيا, البيوت والشوارع والأرصفة والأبواب والجدران, وسيمشي الناس مطأطئين رؤوسهم, بقسمات ذابلة, وعيون لطّها السهد فاحمرّت, و كأنهم خلقوا على هذا النحو.

أهلي وأعرفهم
يحبون طقوس الحداد ويهيمون بالحزن ويحترفون رفع الرايات السود.

 

…….
هذا ما يقولون عنه اصفرار الخريف, بيد أنه ليس محبوساً في ورق السفرجل الهاوي كالحتم على الرقاب
انظر إلى الوجوه والأصابع والقلوب والكلمات
كان من الممكن أن يكون الحمل خفيفا, لو أن الاقدام لم تغُص في الوحل عمقاً كهذا
كان وارداً أن نقتات على الجمر, لو علمنا أن كيّ الخبز يُذيب طبقات الروح
كان معقولاً, أن نشرع بسنّ الفؤوس حتى نحتطب الشمس, لو أن عنق السفاح لا يحول بيننا وبين ذلك.
كان طبيعياً, أن نحرص على شجر الغابة, لو أن بحر الدم هذا لا يحتاج فُُلكاً عظيماً حتى نجوزه سالمين.

 

عن مصعب النميري

مصعب النميري
كاتب سوري مقيم باسطنبول، حاصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال. له نصوص شعرية غير منشورة بعد.

تعليق واحد

  1. جمييييييييييييل الله يسعدك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.