الصفحة الرئيسية / تجريب / هزيمة الكلمة

هزيمة الكلمة

كدمات
يوسف أبو خضور
 

 

هناك “قتل”…
و هناك “قتل القتل”…
لا يتشابهان أبداً.. إلا لدى المهزوم. لا يُقارن القتل بدون دافع إلا التكبّر والتجبّر مع القتل الذي يهدف إلى إنهاء هذه الثقافة المتكبرة والمتجبرة التي تستسهل “شخت الرقاب” و عليق الرؤوس..

منذ الصباح الأول والنظام يغطي أفعال عصاباته بالكذب و التكذيب، بالتزوير والتلفيق، حتى نشأت لديهم ثقافة صلبة متماسكة أساسها القتل أولاً. لا يهم ما يتبع القتل لأن هناك منظومة متكاملة هدفها تجميل الجريمة وإظهارها للعلن كأفعال شرف بإسم الوطن، لسان حالهم: إقتلوا ما إستطعتم ونحن من ورائكم..!

على الطرف الأخر وبعد شهور الثورة الطويلة يجلس أحد إعلاميي الثورة أمام مقاتل لم يرى أهله متذ سنة ويسأله: خبرنا إنتا ليش حملت سلاح..؟!
يتلعثم المقاتل و جيب بهذيان سببته له الإدانة التي يحملها السؤال في طياته ويبكي في النهاية بحجة أنه مشتاق لأطفاله. العقل الذي يقف وراء هذا السؤال هو سبب بكاء هذا المقاتل وليس الشوق..
ربما كان ينتظر سؤالاً يحمل شكراً وعرفاناً له، سؤال من قبيل: ما شعورك وأنت تقاتل أحد عمالقة الجريمة على الكوكب بسلاح فردي بعد أن خذلك الأخوة وأبناء العمومة، كيف تشعر وأنت “فارس هذا الزمان الوحيد”؟

لم يجد المقاتل في صفوف الجيش الحر من يغطيه بالكلمة، من يعطي لأفعاله قيمتها الحقيقية، كان المطلوب منه أن يفعل ويقول، المهارة في الفعل لم تترافق بنفس المهارة في القول بعد أن تخلى عنه أصحاب الألسن الصلبة، التي واكبت على تجريمه و تقريعه وترعيبه، تردد على مسمعه لقد حرّفت بسلاحك ثورتنا السلمية الجميلة. تناسوا أنّ بطل الثورة المسلحة هو بطلها في زمنها السلمي و كان يبحث عن الكلمة أيضاً..عندما كانت تلهج ألسنتهم بحجج أخرى..

-الناس التي خرجت “كشعب”و عادت “كطائفة” ظنّت أنّ ثورتها شاملة على النظام و على الفساد، قبل أن تلتقي بهؤلاء الذين فصلوا بحد السيف بين النظام و الفساد.
الفساد في نظرهم ليس جريمة أخلاقية فلا مانع من تسليم فاسد مشهود له قيادة كتيبة أو لواء أو فصيل معارض، و لا مانع من “حصة” صغيرة من أموال الإغاثة، و ليست جريمة “إخفاء” بعض السلاح والذخيرة جانباً أو الإتجار بها.. فهذا شئ لا يذكر في هذه الحرب الطاحنة وإذا ما قورنت مع جرائم النظام فهي غبار متطاير..

الثائر والمقاتل معلق بين هؤلاء الذين لا يرون من النظام شيئاً (حتى وصل الأمر بهم بالبحث عن أسباب المجزرة بين صفوف الثورة والثوار، يحفر عميقاً بحثاً عن كلمة عن جملة عن فعل كان سبب المجزرة، إستنتج أحدهم أن الهجوم على سيارة أمن هو السبب الكامن وراء المجازر في بانياس، وأخر يتكئ ويقول هذا بسبب فوضى السلاح والثورة المسلحة) وبين هؤلاء الذين يستغلون جريمة النظام للتغطية على دنائتهم وفسادهم، وجد الثائر نفسه عارياً ومُداناً ومُقيداً لثلّة من الفاسدين قولاً وفعلاً الذين وجدت فيهم دول العالم منشودها وأكبرت من شأّنهم حتى تضخموا وترهلوا وأعاقوا كل تقدم..

هذا ما يحدث بالضبط عندما يسلم المنتصر أمره لمهزوم. لنخبة محمّلة بالهزيمة..
وعندما يسلم ثلّة من المهزومين أمرهم لمن يتعامل مع الهزيمة بروح المنتصر ويضع هزائم وجرائم صبيانه على الطاولة صارخاً هذا هو النصر المبين.

هذه الثورة كانت رحيمة جداً بالمهزومين، حتى أنها وخلافاً للحقيقة القائلة بأن التاريخ يكتبه المنتصر، تركت لأشد الأرواح هزيمةً كتابة تاريخها، وجعلت الهزيمة المسبقة بوصلتها، العقل الذي يحاول قيادتها كان فاقداً للإيمان بها وبنفسه…
سحب منها كل عناصر قوتها و ألبسها لبوس التأتأة و التلعثم، خطواتها كانت محمّلة بدونيتهم وفشلهم وخياناتهم وفسادهم، بكتاباتهم السخيفة وأشعارهم الركيكة، بكلماتهم المسمومة، واهتزازهم على المنصات، بتصنيف العالم لهم كطوائف وقبولهم بهذا التصنيف..

الإستهزاء والرخاوة والميوعة التي يتعامل بها العالم مع الثورة السورية كانت بسبب ركاكة ورُخص و هريج من حملها لهم، من قَدّم نفسه قبل أن يُقدّم شعبه، من ذهب طامعاً بالقليل وهو يحمل الكثير أصلاً..

من جعل “الكلمة” نقطة ضعف الثورة..!!

 

 

 

الصورة: مقطع من تشكيل لعبد المجيد مجدل البيك

 

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.