الصفحة الرئيسية / نصوص / شعر / المقابلة الحقيقية مع ثائر – جمال داود

المقابلة الحقيقية مع ثائر – جمال داود


حارتنا بعد آخر…آخر موقف
لحم الجاموس أحد اختراعاتنا
و هو يؤكل نعم يؤكل
كذلك اتهمونا بذبح القطط
.
.
لحم البقر في ارتفاع و لحومنا في هبوط
العطش: يعني شرب الماء من أي كأس أو زجاجة ملقاة على أي رف
و المشاركة بالأفواه لاتعني نقل الأمراض أو التلوث كما يشاع لأن ألسنتا مقطوعة كالماء تمامًا

الاستحمام: موعد الاستحمام في حيّنا الساعة السادسة صباحًا حين تصعد الماء و تصل لبيوتنا و ينتهي موعد الاستحمام في الثامنة صباحًا حيث تتحول المياه لخيوط متقطعة تعني أن الحكومة جزاها الله خيرًا قد أقفلت باب الاستحمام
.
.

الأطفال في حينا لايلعبون بالدمى الحديثة و ألعاب البلاي ستيشن
حتى أنهم لا يأبهون كثيرًا لبرامج الاطفال , بل للأفلام البوليسية و أفلام الأكشن ربما لأنهم مذ قدومهم اعتادوا مشاهدة أنفسهم و أهلهم في حالة حرب مفتوحة مع الحياة..ربما يريدون بطلا ً “كفان دام و جاكي شان” ليخلصهم من بؤسهم و يقتل جميع الأشرار من حولهم
.
.

ألبستنا: في العيد غالبًا نشري الأشياء و ثياب الصيف لا تختلف كثيرًا عن ثياب الشتاء..نشري الثياب عند الضرورة الملحة..مثلاً كنزة صوف بعد نزلة برد حادة
حذاء رياضة صيني جديد عند تحدي أبناء الحارة المجاورة
استعارة بدلة للوقوف على مجلس العزاء
.
.

بيوتنا: مستقيمة ضيقة المعابر رطبة الأسقف ضعيفة الاستناد…جدراننا من البلوك ولا مظاهر إكساء , كحياتنا ليس لها مستقبل و لازخارف و لاأشكال , أحذيتنا ترمى في الخارج و في الداخل أشكال ألوان
جيراننا الريح و زواريب المطر و أوراق الأشجار المتساقطة و بعض نفايات الأغنياء التي تحملها العواصف و الزوابع الرملية
يقيم بيننا الطين في جميع الفصول و كل المناسبات
بالمناسبة جدراننا لاتنقل فقط رائحة الطبخ و صوت مجارير المياه بل أيضًا تنقل أصوات البيوت المجاورة مما يحافظ على لحمتنا و مشاركتنا لصغائر و تفاصيل الحياة
.
.

التجارة : هي تجارة الكلام و الأحلام و “البسطات” المنشورة فوق ذاكرتنا…البسطات تعرش على ذواكرنا و تلاحقنا , نخاف المحلات , نخشى الزجاج الملون و الرخام الذي يفرش المولات الضخمة”يقتلنا الرخام و يغتالنا بريق ساعة ثمينة أو “فستان مكشكش
.
.

الحديث العام : السياسة العالمية و خطاب أوباما الأخير و كرة القدم الأوروبية و اللاتينية…
لانتعاطى السياسة المحلية..كذلك لانتعاطى حبوب البروكسيمول

الشجار: لايتوقف فينا: شجار على الكرسي /على الفرشة المنجدة/ على مشاهدة التلفاز /على التعزيل/ على ترك الأضواء مفتوحة على سرقة الثياب /على بطاقات الشحن/ على ثمن الطعام / وأجرة المواصلات و كل سخافات وضروريات الحياة

على اختفاء قطع اللحم النادرة من الأرز وعلى اختفاء الفاكهة من البراد وعلى نظرات الرجال…. للنساء
في الحي دائمًا هناك مشاجرة أو مشاجرتين…و السبب غالباً مايكون امرأة
.
.

حرب الوحدات: نحن في يقظة مستمرة لملاحقة الحضارة التي تهرب إلينا من قنوات التلفاز , نريد التظاهر بأننا نتواصل , نحن من اخترعنا قصة الـــ” خمسة ثواني المجانية” , و الرسالة الفارغة , بطاقاتنا مهددة بالحرق كأحلامنا بالتواصل , الوحدات تنفذ منا بسرعة , خاصة عندما نريد التحدث مع الأغنياء البخلاء
“أصحاب الميسكولات”
و نستمر في شحذ “شحن” الوحدات , هي أهم من الأكل حاليًا

الهواتف النقالة: لدنيا حمى الهواتف النقالة و شراءها من سوق الحرمية أو بالتقسيط

مشكلتنا الأولى هي الإعلانات الطرقية الموجهة لنا وحدنا
المشكلة الثانية هي إيجاد الكفيل
فنحن غالباً ماندفع شهرين ثم نقوم ببيع الجهاز و صرف ثمنه
.
.

التمدن : تمر المدينة من هنا لدفع ضريبة أو تسوية المخالفات أو لتصوير المسلسلات التي تحصد جماهيرية عالية و أرباحا ً طائلة لشركات الانتاج سببها نحن

!!نعم نحن..و في النهاية يبقى حالنا كما هو عليه
مع أن الكاتب ” المرشد لحينا” هو غالباً قضى طفولته بيننا لكنه سرعان مايتنكر لنا عند استلامه أول جائزة
.
.

الانترنت : يحارب أولاد الجامعات منا للاتصال بالعالم الخارجي ولو بأسلاك الدم أو وصلات الأعضاء…فإن وصل الانترنت يصل الخط ضعيفًا خجولًا مغتصبًا من قبل مئة جهاز و جهاز مراقبة..هذا ناهيك عن البطء الأصلي للشبكة و انقطاعها المستمر حتى عند الأغنياء… بالمناسبة نحن من اخترعنا “البروكسيات” و قدمناها للأغنياء
.
.

تذكرت نحن نعشق و نحب الحياة و نحب المشاركة..هنا يعيش من يطلق المسميات

هنا يمتزج الطحين بالتراب , و تمتزج الشقراء مع السمراء , والرشيقة مع العرجاء , و المحجبة مع السافرة و المتزمتة مع المتحررة خاصة في موقف السرفيس و الباص حيث تعلن حرب البسوس في كل صعود و هبوط لوسائط النقل العامة التي تصل لآخر آخر موقف قريب من حارتنا

هنا حيث لحم الحمل و العجل أغلى من لحم النساء
وربما يتساوى لحم النساء مع لحم الجاموس
فنحن الذين اخترعنا لحم الجاموس و هو يؤكل نعم يؤكل
.
.

المقبرة : في الليل يسمع بوضوح صراخ أهلنا (سكان القبور) اولئك الذين عاشوا و لم تسمع لهم الحكومة “حس” , اولئك الذين ظلمونا و إياهم و قرروا علينا مجتمع الأرانب و الأعضاء المخصية و لعنة اللاءات و لو أن الحكومة التي قمعت تلك الأفواه تأتي و تشاهد التوابيت هنا كيف تتنفس على راحتها و ترسم و تغني و تبتدع فنًا خاصًا…و ربما تؤلف حكومات و برلمانات و تعترض…نعم تعترض
.
.

المسرح و الغناء: يضحك الناس هنا عند مشاهدة مسرحيات الكوميديا و الأفلام و المسلسلات المبالغ في ردود أفعالها…نحب الممثلين الذين يكذبون و يبالغون
أشعر كأن حارتنا مسرح كبير و جميعنا مهرجين بألوان
كثيرًا ما يستغرب سكان الأحياء الراقية لدى مرورهم من هنا , يتصرفون كأنهم سياح مع أن الكثير منهم ربما نشأ بيننا

عندما تشاهد تجمعًا على دكانة تأكد أنه مشهد تلفزيوني لراقصة أو مطرب شعبي أو ممثل شعبي أو مشهد مصارعة حرة أو فيلم عربي أكشن “جامد جدًا” نحب التحدث بالمصري…و نضحك كثيرًا عند مقابلة شخص مصري و نستمر في تقليده حتى يمل منا و لازلنا نتساءل للآن , عن معنى كلمة “تملي معاك
.
.

الأعراس: الكل مدعو للأعراس التي تقام في الصالة الفضية

أما الصالة الماسية في الحارة المجاورة معدة خصيصا ً لأعراس المترفين في حارتنا 

الأمثال المتداولة : “نمشي الحيط الحيط و نقول يا رب الستر
الإيد يلي مابتقدر عليها بوسها و ادعي عليها بالكسر”

اللاءات : ثقافتنا ثقافة الـــ لا , هم غالبًا مايرعبوننا , مقيدون نحن بكلمة لا… حيث نسمعها مذ كنا أطفالاً بأحلام
“لا تفتح المقص بيجيب شر…
لاتسكب المي بالبلوعة بالليل
لاتفوت البيت قبل ماتسلم
لاتغني بالحمام
لاتقص اضفيرك بالليل
لا ترد جواب
لا تحكي لما يحكوا الكبار
لا تحكي بالسياسة “

مطربنا المفضل هاني شاكر..هو يعرف تمامًا كيف يعبر عن جروحنا و معناتنا المستمرة
في حارتنا يسحق الفن الهابط كل المبيعات و تحفط الأغاني الريفية و الغجرية و الساحلية والجبلية وربما الهندية…..حيث تخرج الآهات والدندنات من دون أي تكلف أو تكليف

حيث الامتزاج مع الملحن أو المطرب أو الفنان أو السياسي هو أهم صفة من صفات البساطة و العفوية
نحب علي الديك و سارية السواس…أغانيهم تفرح قلوبنا

هناك بعض الفنانين و الرسامين و النحاتين و الممثلين و الملحنين يسكنون في حارتنا , لكنهم غالبًا مايعملون في مهن أخرى حتى يأكلوا , و غالبًا ما يكذبون أو يخفون هوية الفن عنا…حتى لايصبحوا أضحوكة
.
.

العواطف و الانفعال: يمزقنا العذاب والفراق والحزن….وموت الأصدقاء
و يفرحنا أي فوز أو انتصار أو تكريم لأي ابن من الوطن..حتى و لوكان لقاؤه ضربًا من الخيال , ويثلج صدورنا فوز الفريق الوطني…ولوكان هذا أيضًا ضربًا من الخيال

تترك فينا مشاهد الحب المستورد…و الحب المفبرك…أثرًا طويلًا و نبكي كثيرًا على قصة تركية أو مكسيكية حتى أنها تحفر في قلوبنا عميقًا

بعضنا يسمي ابنته على اسم البطلة و الآخر يفتح محال حلويات بنفس الاسم

و لانتوقف عن “معط” شخصيات المسلسلات على ألبستنا و جدران غرفنا و كتبنا و “موتوراتنا” حتى يأتي المسلسل الآخر بأسماء جديدة و ينقذنا
.
.

فلسطين: هي أحد أفراد العائلة ومأساتها مأساتنا وجرحها يسكن في ثاني زقاق زقاق المثقفين..”النازحين” , حيث لا جدار يخلو من صور تشي غيفارا أو كاسترو ولو تعذر بعض الشيء لفظ الأسماء

لا يمض يوم لانفكر فيه في استعادة فلسطين و الجولان…هذه كرامتنا”حدا بيفرط بكرامتو”؟
.
.

في حارتنا كتب يوسف ادريس و نجيب محفوظ و الماغوط
فنحن زادهم و خميرتهم

في حارتنا عدد من المنقبات و السافرات و السكيرين و المشايخ و شرطة المرور و الزعران و المخابرات و باعة البسطات و المثقفين و الأميين و الكل يلقي السلام بصوت عال و لا أحد يجروء على تجاهل البقال أبو مازن البرجوازي صاحب دفتر الدين و لا أحد يجروء على انكار بائع الفلافل الذي “لحم كتافنا من خيرو

الكل هنا يجتمع على شتم الظلم و السواد و الفساد و شتم الحكومة…لكني لا أعرف لماذا قرر الطابور الخامس منذ عام 1970 أن يبقى الحال على ماهو عليه

لماذا يطلق علينا التلفزيون الحكومي تلك الاسماء”سفليين “

الحرية : الحرية تعني تناول اللحم متى نشاء و القدرة على شراء أو استأجار منزل عندما نرغب بالزواج , ربما هي الانترنت السريع ؟ ترخيص الوحدات ؟
انقراض المخابرات و كف أيدهم عنا؟
ثياب جديدة نشريها متى نشاهدها على واجهة المحال ؟
شرب الماء و الاستحمام في أي وقت من أوقات اليوم ؟
الموز , الكثير من الموز و النستله
و فوز فريقنا الوطني بكأس العالم
الحرية هي ألا يعتدي علينا أحد أبناء السلطة و لايسرق مكاننا في الجامعات و لايطردنا من مكتبه كلما ذلنا الزمان و “اعتزناه”
الحرية ألا ينتهي المعاش في العشر الأول ” العشر السريع” وألا نضطر إلى الاستدانة في العشر الثاني” عشر العتق من الراتب و “ألا نشحذ في العشر الثالث “عشر المذلة”
الحرية هي الحياة بالنسبة إلينا الحياة التي لانعرفها ربما و نكافح لمعرفتها
صراحة لانعرف التعريف الدقيق للحرية , هو سؤال صعب ,
فقد أخبرنا دعاة الحرية أننا شبه أموات

نحن سكان آخر آخر موقف…قررنا الثورة حتى نعيش
“بدنا نقب عوش الدنيا”
“بدنا حرية”

———–

نص منقول عن صفحة الشاعر
جمال داود

عن جمال داود

جمال داود
شاعر ومصور فوتوغرافي سوري مقيم بماليزيا. حاصل على شهادة البكالوريوس في الاخراج الرقمي