الساعة الثانية بعد الظهر، يستيقظ علاء من بطالته السرمدية، ينتقل بين السرير والمغسلة متثاقلاً في رحلة حلزونية.. يدك رجليه في بنطال الجينز الذي قارب على الاهتراء، يضع القدمين بحذائه الرياضي وينزل إلى الشارع..
الساعة الثانية بعد الظهر، والدة علاء الأرملة تطبخ لوحيدها أكلة المحاشي التي يعشق، تراقب القِدر المليء بسائل البندورة المقشرة ذات اللون الأحمر القاني، تمسك الملعقة وتتذوق، تضع رشة ملح وما لا يكاد يُرى من الفلفل، ثم تواصل انهماكها في جلي الأغراض المستخدمة سابقاً وتتابع بين فينة وأخرى منجزها من الكوسا والباذنجان المحشي بالرز كما يتأمل تشكيلي لوحته المشارفة على الانتهاء.
يصل علاء مدخل البناء، لا يلحظ دكان الحي المغلق ولا غياب شياطين الحارة الصغار الذين اعتادوا ملء أي فراغ بحيوية لا تنضب، يواصل مشيته المتمهلة فيدلف إلى شارع رئيسي، يراقب منذهلاً المحلات المغلقة في وضح النهار، الفكرة السخيفة حول نهاية العالم تراوده للحظة، ما سبق أن قرأه في كتب الخيال العلمي حول وباء يغزو المدينة وينجو منه قلة تمر في باله كخاطرة ليست أقل سخفاً..علاء الذي كان نائماً بعمق يحلم بوظيفة وفتاة رآها في محل للآيس كريم هنا في هذا الشارع بالذات قبل يومين يجهل وجود حظر للتجوال أعلنته السلطات بمكبرات الصوت منذ الصباح، فالمدينة خرجت عن بكرة أبيها مساء أمس في تظاهرات حاشدة تطالب بكل ما سلب منها لعقود. من بعيد يلوح حاجز أمني.
عبر مكبر الصوت يأتي الأمر واضحاً صادحاً طالباً من علاء التوقف، يتجاهل الأخير النداء ويواصل مشيته المتهادية مستهزئاً بالأوامر. لم يطل الأمر كثيراً، يأتي الأمر حازماً من الضابط رئيس الدورية المشرفة على الحاجز للعسكري المتحفز بإطلاق النار، ثوان معدودة وتنطلق رصاصة كالسهم تخطئ القلب فلا تقتله، يزحف المصاب باحثا عن ملجأ غير موجود..ثوان أخرى وتنطلق رصاصة ثانية لتصيب الجبين بإحكام فيخرّ علاء صريعاً..
في هذه الأثناء تشعر الأم بغياب مدللها خلال فترة انشغالها بالمطبخ، تبحث عنه في أرجاء المنزل بلا جدوى، تضع على نفسها ثوبها البني وتنزل مسرعة خلف ابنها فيما تتسارع نبضات قلبها، ترى أملها بالدنيا وقد استسلم جثة هامدة غارقاً بدماء تغسل الإسفلت بهدوء، تقترب منه، تحتضنه وتبكيه بصوت مختنق، يدنو منها رئيس الدورية ويخبرها بضمير مرتاح “لم يستجب لأوامرنا بالتوقف”، تجيبه “إنّه أصم يا ابن القحبة”.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.