شيرو، يحيى، ووردية تبدأ في السابعة صباحاً، كنتُ أودّ أن أقولها بلا أيّ مؤثّراتٍ خارجيّة، هكذا، بلا أيّ طارئٍ خارجٍ عن قوانين الطبيعة، لكنّ هذه العبارة “مواليد ألفين” ملأت القلب بالماء، والجسد بالهواء الملوّث، والحنجرة بخيوطٍ من دم! فلم يعدْ بالإمكان أن أقول هكذا.. صباح الخير!
“مواليد ألفين”!!
هذا الولد، يبلغ الثلاثَ عشرة عاماً، عام ألفين، كان عمري “أيضاً” ثلاث عشرة عام!
هذا الولد، بنصفِ عمري، أودّ أن أقول له الآن، أنني يومَ ولد إمّا أنّني كنتُ أمشي إلى مدرستي، أو أنني أجفف ثيابي من الوحل العالق بها بعد وقتٍ طويلٍ من المرح، أو ربّما أتسلل إلى المطبخ لأجد أمي “الحيّة جداً” تعدّ بعض الطعام فأتذوّقه خلسةً، أو أنّني أتذمّر من صباحات الريف الباردة وأمتنعُ عن ترك فراشي الدافئ.
أودّ أن أقول له، يا ابن الألفين، أنت بنصفِ عمري، وبنصفه الآخر أودّ الآن أن أستبدل نظرتك المتسائلة، وبلعة ريقك الخجولة، وارتباكك، وارتجاف صوتك.
بنصفِ عمري، أودّ أن أبادل أسئلةَ معدّ البرنامج، سأستبدلها بأسئلةٍ من طراز: ماذا ستأكلُ اليوم؟ هل أنت مغرمٌ بالشوكولاتة شأنكَ شأنُ أطفال جيلك؟! هل ذهبتَ إلى المدرسة اليوم؟ لا تتزعرن يا ولد لا بدّ أن مدرّسة شابة جاءت لتعليم اللغة الانكليزية أو الفرنسية أو العلوم أليسَ كذلك؟ لا تتزعرن يا ابن ال ث ل ا ث عش ر ة!!!
بنصفِ عمري أودّ أن أشطب من بطاقة تعريفك تلك العبارة الواخزة،” أمي متوفية وأنا عمري سبع سنين!”
سبعة، ثمانية، تسعة، عشرة،…….
ياااااه ستّ سنواتٍ يا ولد، ولم يسألك أحد، ماذا تريد أن تأكل؟! ولم يتفقّد أحدٌ لفلوفة الزعتر أو اللبن أو الحلاوة في حقيبتك كلّ صباح..!
وأودّ، بنصفِ عمري، أن أردمَ كفّ الجسرِ الّذي أوقفوك تحتهُ، وأستبدل اسمهُ بكفّ عفريت! بالمناسبة، هل من أحدٍ يقرأ كفّ هذا العفريت؟
أودّ يا بنيّ أن أحدّثك عن تشرين، تشريننا نحن، تشرين السوريّ، وسأبدأ من هنا، من نداءات الاستغاثة الّتي تُسمعُ من به صممُ، دثّرونا، زمّلونا البرد قارسٌ في سوريا ونحن أنبياءُ العصر الحديث بمعجزة الوحي، أنبياءٌ بوحيِ كلماتٍ على جدار مدرسة.
التشرين السوريّ معطوب يا بنيّ، يبدأُ بمذبحة، قلبهُ مليءٌ بالجلطات، والدمُ يقف على حدود المجزرة!
من ذبحَ تشرينك يا شعبان!؟ وكيف تمكّنوا من إلقاء القبضِ عليك؟! أكانت وشاية؟!
أيّها الفقير، الفقير، الفقير، هل أصدّق أنك راعي القنّاصة؟ هل أفتّشُ في غوغل عن صورِ القنّاصات لأتعرّف على هذا الكائن الغدّار؟!
سأسرّ لكَ شيئاً بأنني لا أعرف التمييز بين هذه الأسلحة، لا شكلاً ولا صوتاً ولا مضموناً، كلّهم بالنسبة لي يعنون الموت العشواء
البعض سيسقط عنّي حقوق سوريّتي فقط لأنني لم أختبر هذه الأسلحة يوماً؟!
إليكَ سرّ جديد..يا ولد!
أنا أكرهُ أصابع القنّاص كثيراً.
بنصفِ عمري يا شعبان، وددتُ لو أبادلَ ضحكتي بسلاحك، فتضحك وأنتحر!
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.