” حكاية جنون البقر” مونولوج فوضوي في حي جزراوي
في ذاك الحي الجزراوي البارد صباحاً، فرياح جبال طوروس لا تحمل معها سوى البرد القارص الجاف وكأنه يعاقب البشر على هجرهم لموطنهم وهبوطهم إلى ذاك السهل الممتد في أسفل سفوحه . لكنها تعلمهم التحدي . خطواتي الصغيرة المبتسمة على عكس عيناي الناعستان . ويداي المختبئتان في جيوب الجاكت الشتوي المتباهي به، فهو جديد أمام الفرن الذي يدعى ( مانوك ) لذاك الأرمني ذو العقل الاقتصادي البارع بني اكبر مطحنة في القامشلي بل في الجزيرة السورية لا يضاهيها سوى المطحنة الخشبية القديمة التي على طريق قدسيا في دمشق . لكن ذاك البارع في الهدم والتخريب من يدعى بعبد الناصر قد أممها وطرده من وطنه يحمل كل الذكريات وكل الكره ./ وبعد أربعين عام من رحيل الاثنين . لم يبقى في القامشلي شيء باسم عبدالناصر . وبقيت مطحنة الحكومة المؤممة .مازالت تعرف / بمانوك .
كالعادة أمام الفرن تقف نسوة أعرفهن جيداً ورجل عجوز وبعض الصبية ممن لا يروق لي الاختلاط معهم . وضعت العشر ليرات التي بللتها بين يدي وقد ظهرت عليها علامات ارتباكي وتراجعت لأقف على حائطٍ جانبي بدأت أشعة الشمس ترمي بحرارتها عليه محاولاً الانكماش على ذاتي، وأبدأ قوقعتي التي أعشقها حين يكون كل من حولي من زمن لا يتناسب مع المونولوج الذي أبدأ عادة به في مثل هذه الأماكن .لم أختر الموضوع بعد .؟؟؟!!!
لم انظر إلى وجهها ولكني قد حفظت نبرة الصوت كلما ندهت لأمي من بيت الدرج وهي تطلب غرضاً ما .
– أم جوزيف: لا يا أختي ابني جوزيف قال غير هالحكي ( هو ما حكالي إلي بس هيك سمعتو بيحكي مع رفيقو مبارح وهنا قاعدين عم يدخنو السم الهاري الاركيلة بالحوش ) قالوا انو مسكو الزلمة ومعو قطعة سلاح مو مرخصة .
– أم فؤاد: لك لا هيك ولا هيك شو صاير لهالناس كل مين بيحكي شي من عندو لك حبيبتي هاد أبو فؤاد الصانع تبعو جاروا للزلمة بنفس البناية وقالي أنو هاي دورية آداب الزلمة والعياذ بالله بيجيب ( استغفر الله ) الله يستر علينا .
مازلت مندهشا لا اعلم من هذا الرجل الذي فعل كل هذا فجدي يقول عن أمثال هؤلاء . ولاد حرام . مين هالأبن الحرام هاد
– مرحبا يا جماعة…. يا سعد “معلم الفرن” . الله يخليك يا أبني لا تعطيني الخبزات متل مبارحة معجنات . دخيل عينك/ عمك أبو سربست معدتو مابتقبل الخبز المعجن .
جاوبتها وعيني للأسفل. الحمد الله مناح .
تضرب على هالبوز . شبك وجهك متل الرغيف السخن ما بتتحاكى .
– سمعتو هالمنظوم فواز شو طلع .
فواز “أستاذي في مادة التاريخ” هل كل هذا الحديث عنه؟
غبت عن الوعي لثواني لم اسمع بقية حديث أم سربست . امتلك نفسي وتابعت الاستماع
– اجت دورية من هدول اللي ما بينذكروا أبو الطائيات الحمر وجروه متل الكلب . طلع جاسوس إسرائيلي .
جاسوس إسرائيلي!!! ( كل النسوة معا) .
أم فؤاد. شو هالحكي وشو بدهن بجاسوس إسرائيلي هون بأخر ما عمر الله بالقامشلي ( يبدو أن أم فؤاد تفهم بعلم الجيوسياسي)
أم سربست :شو؟ شو بدهن !!! . بيراقب تحركات الأكراد والأتراك وثانياً لاتنسي صوامع القامشلي مليان حبوب ( إيه تراب بدل الحبوب ) بس في .غير النفط ولا تنسي نص القامشلي كانوا يهود بزماناتو . – أم جوزيف: إيه وشو راح يتجسس على المي والنفط شو هالحكي يا أم سربست .
أنا بصراحة قصة النسوان والجلاملا خرطت مشطي اكتر . لأنو شكلو ( الضرسان ) بيعتني بحالو إيه عطروا كان بينشم من أول الحارة . هاي بنتي الله يقصف عمرها عم تقلي كل ما شمت عطرو ليكو الأستاذ فواز رجع وليكو راح .
وأكملت آم جوزيف . بصراحة أنا لسا عندي حكي ثاني بس استحيت قولوا / خفت تضحكو علي / . بس شكلو هاد موغريب عليه شي. سمعت انو مو الامن اخدتو هاي ( العصفورية ) اجت وسحبتو . قال شو بيفيق بنص الليل وبيصرخ مدري شو عم يعمل. قالوا صاير معو/ جنون البقر .
لا اعلم بأي حالة أنا .حتى أني لم اسمع صراخ سعد/ معلم الفرن , وهو بيقلي يا ولد خد خبزاتك . ( من هلا عقلاتك طاروا ) . استنا لتكبرلك شوي .
حشرت حالها وحدة من النسوان . ليك ماشاء الله طالعلو حب شباب . إيه والله وكبرت يا فلعوص.
مليون فكرة تأخذني وتأتي بي . كل هذا يا أستاذ فواز أين أنت الآن . / خمر , عربدة , نساء , جنون , جاسوسية ,
لكنه رجل لطيف هو أفضل أستاذ بالمدرسة , يحكي لنا حكايات الفرس والعرب و المسلمين والروم , أظنه يعرف كل شيء .
مونولوج / أعيد كل كلمة سمعتها وأحاكيها أرد على النسوة محاولاً استدراك الأمر أرفض أقبل أصمت أصرخ . لا أدري . هل اخبر الأولاد بالمدرسة , لكن , أي حكاية من تلك الحكايات اخبرهم , مجنون , خمر , نساء , جاسوس .
وفجأة قاطع حديثي الداخلي صوت كالصدى لا شيء غيره حولي .
مرحبا عدنان: الله يعطيك العافية شو هالنشاط .
الأستاذ فواز هل أنت بخير .أين أنت ..؟؟؟؟
أنا بخير يا عدنان ما بالك لما هذه اللهفة الممزوجة بالخوف يا بني .
لا / العمش / كلمة خرجت مني تعلمتها من سيزار ذاك العبقري المجنون في حارتنا. لاشي . ابتسم ومسح على شعري وأكمل الطريق .
فجأة صرخ : عدنان .
التفت اليه .!!!!
لا تسمع كل ما يقال . فبعض الكلام للريح . وحب الوطن ليس جنونا . ولا نحن بقر .
ابتسمت لا أدري هل فهمت أم لا :
نعم نحن لسنا بقر .
/ أنا ماني حيوان . وهدول كلهن بشر متلي /
عدنان أحمد / 14-12-2011
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.