… لكنّك يا بلدي، يا أجمل الأوطان حيٌّ أكثر مما يسيئون بك الظن
حيٌّ ومحروسٌ بسريرة الفلاح يناجي ربه القريب وهو يبذر القمح: (أنا العازق وانت الرازق…) وبعروق العامل يرفع الأنقاض ويتلو صلاة الحياة: (الحجر بيتعوض…)
وبقاعات الدرس المعاد توضيبها فيما بقي صالحاً من الأبنية المهدمة والمهجورة. هناك يعلم الطالب الكبير الطالبَ الأصغر إذا لم تكفِ أعداد المدرسين…
ومحميٌّ بالسوريّ الذي يكفل أسرة منكوبة ويلتفت إلى تعليم أبنائها مثلما يعتني بإيوائها وإطعامها وعلاج جرحاها ومرضاها، ورعاية مسنيها
وحيٌّ بكفاءاتك البشرية التي اختارت مكانها الشعبي والوطني والإنساني، ولم تأخذ إملاءً ولا تمويلاً من أحد، واختارت أداءها الأخلاقي في مهنتها ولم تخفض من احترامها لأنفسها ولم تبخل بإمكانياتها على البلاد ولم تنتظر شكراً ولا عرفاناً من أحد
وحيٌّ بمن رفضوا أن يصيروا تجار الحروب أو أثرياءها
لن يطويك الموات يا بلدي الذي زرعت نساؤه مساكب الخضرة على الشرفات وعلى أسطح البنايات المخنوقة بالحصار، وخرجت نساؤه الكريمات إلى الخدمة في البيوت لجني اللقمة الحلال، وحاكت نساؤه كنزات الصوف العتيق في ليالي البرد لأبنائها وللأبناء الذين لا يعرفون أين أهلهم، وخرجت نساؤه إلى البراري وعادت بأعواد الحطب، وجلست نساؤه تؤلّف حكايا عن الحياة والشموس والأقمار والأميرات لتجلب الدفء والنعاس إلى عيون الأطفال التي رمّدها البرد وأصوات القذائف ودخانها…
حيٌّ يا بلدي الوحيد واليتيم والصابر
حيٌّ من جزيرتك إلى ساحلك إلى حوض نهرك العاصي إلى سهل حوران إلى جبل الريان
حيٌّ ومحروسٌ بقرابين الدم الوطنيّ والشجر الوطنيّ والحجر الوطني
حيٌّ وباقٍ ومستمرٌّ ومحضونٌ بأبنائك الصاحين؛ هؤلاء الذين لا يراهم الآن أحد، ولا يلتفت إليهم الآن أحد، لكنهم يلتفتون إلى أنفسهم، وإلى أهلهم، وهم وحدهم من سيحمل إليك خشبة الخلاص ولو بعد حين
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.