الصفحة الرئيسية / تجريب / من هلوسات الطفولة
من هلوسات الطفولة -مصطفى تاج الدين الموسى
شارلي شابلن والطفل

من هلوسات الطفولة

مصطفى تاج الدين الموسى

 

أتذكر عندما كنت صغيراً، أنه كان لدي بعض السلوكيات الفكرية الغريبة والشاذة.. منها (على سبيل الذكر لا الحصر) أنني كنت أتحدث مع الله.. نعم مع الله (وكأنني في فيلمٍ سينمائي) وهو حديث من طرف واحد.. يعني أحدثه لكنه (الله) لا يتحدث معي.
ولم يحدث لي ولا مرة أن تكلم الله معي، كما فعل مع (جان دارك) أو كما يفعل عادةً مع المتصوفين, وحتى هذه اللحظة، لم أفهم لماذا يتحدث الله فقط مع المتصوفين، من كل أنواع البشر، لماذا لايتحدث (مثلاً) مع الشيوعيين، أليسوا أيضاً من مخلوقاته؟!.

المهم.. لازلت أتذكر تلك الليلة التاريخية في حياتي، عندما صفعتني أمي صفعة قاسية، لم أستغرب وقتها من صفعها لي.. لأنني كنت أعرف من خلال حواراتي مع زملائي في الصف الثاني الإبتدائي، أن أغلب الأمهات صرن يصفعن أولادهن بلا رحمة، بعد قيام الحركة التصحيحية.
ذهبت إلى سريري واستلقيت أسفل اللحاف في عتمة غرفتي، ورحت أغوص أكثر فأكثر في تساؤلات وجودية، لم تخطر على بال سارتر ذاته، تلك التساؤلات غيرت ليلتها مفاهيمي إلى الأبد.

حشرت رأسي تحت الوسادة, ورحت أتحدث مع الله:
ــ بصراحة.. يا إلهي، أنت غير عادل.. لماذا تخلق للأم أكثر من ولد، بينما الولد لاتخلق له سوى أم واحدة، لو أنك عادل.. لخلقت أيضاً لكل ولد أكثر من أم. مثلاً (هكذا شرحت لله يوم كنت طفلاً) الأم التي لديها ثلاثة أولاد، كل ولد منهم يجب أن يكون لديه ثلاث أمهات.
في تلك الليلة نمت مقهوراً، وثمة شعورٌ داخلي يتحول ليقين فحواه:
ــ إن الله منحاز إنحياز تام لطبقة الأمهات، ضد طبقة الأبناء…
تحديداً.. في تلك الليلة التاريخية، بدأ الوعي الطبقي لدي بالتبلور,
وبسبب هذا التبلور, انتسبت فيما بعد لصفوف الحزب الشيوعي السوري الموحد (الموحد!!!)…
وحتى أحافظ على هذا التبلور الطبقي، من أي تلوث قومي غير إجتماعي، صرت أغسله جيداً في كل إجتماع حزبي، بعرق الريان….
ـــ (ملاحظة مهمة جداً) :
إن أغلب الإكتشافات الفلسفية البشرية المهمة،
هي تلك التي جاءت بعد صفعات قاسية…..

عن مصطفى تاج الدين الموسى

مصطفى تاج الدين الموسى
كاتب قصصي ومسرحي سوري، درس في كلية الإعلام بجامعة دمشق، صدر له مجموعة قصصية واحدة بطبعتين (قبو رطب لثلاثة رسامين). حائز على عدة جوائز في مجال القصة القصيرة على الصعيد السوري والعربي.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.