فادي عزام
بالزاوية
في العاشر من حزيران عام 2000 ماذا كنت تفعل يوم سمعت خبر موت حافظ الأسد؟
كنا في العمل مع شركة أبحاث، يومها المدير الإقليمي جورج من مصر يتلفن إلى شركات السفريات أريد أي طيارة لأي مكان المهم أن أخرج من هنا؟ .
أيمن مدير المشروع قال : لقد أكلنا خرا طار المشروع، مالاقى يموت غير اليوم.
وثلاثة شباب تسمّروا بوجوه تعتصر حامض الليمون.
زميلتان أنخرطتا في موجة بكاء هستيري وأنا أنتظر صديقي الكردي لينتهي من مقابلته، فهو الموثوق الوحيد لأعلن له فرحي.
قال صديقي الكردي وأنا أبلغه إن حافظ أسد مات بعد أن أخذ شهيقين متواصلين
– أنت متأكد ..
قلت : أذاع التلفزيون السوري الخبر ( أتخيل اليوم لو لم يذع التلفزيون السوري خبر موته كان مازال موجودا والبعض يستخف بإعلام النظام ) طبعا نظرية بعدو موجود بشكل واقعي بعدها تروج في اوساط النظام.
صرخ وتعانقنا فرحا:
قال لي: إهدأ لقد جاءت “اللحظة التاريخة.” نعم قالها صديقي الكردي حرفيا
أنفجرت ضاحكا على جديته المباغتة قالها قبل عشر أعوام من التونسي الذي هرم بانتظارها
لم يعرف عن شعوب بقضها وقضيضها كل ما تنتظره هو شغف لقاء لحظة واحدة حقيقية بكامل زينتها .
لحظة واحدة تفتح لنا البوابة فنعود للتاريخ
ذهب صديقي الكردي إلى ” زور آفا ” حي الرز ” لينتظرها هناك ..
وحملت نفسي راكضا في شوارع الشام أبحث هذه الملعونة الملغومة التي تسمى لحظة تاريخية، من البرامكة إلى تحت جسر الحرية ” الرئيس سابقا ” بمحاذاة النهر المجفف، ماشيا بعينين تحومان في كل الاتجاهات تلتقط أي صورة أدنى حركة وأذنين تنصتان السمع لأي نأمة شاردة أو إشارة عابرة لأي كركبة لأي أحتفالية تليق بقدوم اللحظة التاريخية .
وصلت إلى العباسيين عبرت سرافيس المهاجرين إلى أواخر المزة.. مندفعا إلى الجديّدة .. ( كتبت على باب صديقي الأصفر .. أتيت ولم أجدك ” وعدت إلى كفر سوسة .
تفقدت الشام لم تذهب معه، بقيت صامتة متجهمة بضحكات تهتز من خلف الجدران بخوف بارد ينتظر جملة واحدة أو صرخة واحدة كانت الشام واقفة على ” كف لم يضرب “
يومها لم تتعب قدماي كنت أبحث عنها تلك اللحظة الملعونة، عدت لم أترك قرنة أو حارة من جرمانا إلى دويلعة، من مشروع دمر إلى قدسيا .. خيم الليل ولم تأت، شربت أكثر من عشرة فناجين قهوة لحواجز عزاء توقف السرافيس وتشربنا القهوة المرة وتطلب منا قراءة الفاتحة على روح المرحوم، دون أن أجرؤ على الرفض. تارة أصلّب وتارة أفتح يداي وأقول.
مات رئيس من الكبار
مات وبحفظ زب الحمار وأختمها بآمين مسموعة.
أه حسنا فعل القائد التاريخي رفض أن يدفن في دمشق، لأنه يعرف ماذا فعل بها، ويعرف كيف ستنتقم يوما حتى من قبره.
كيف لقائد يمجده قومه ويبجله اتباعه هذا التبجيل ان لا يدفن في العاصمة الكبرى، كيف يقبل أن يعود إلى مسقط رأسه. يجيب ساركون بولس ….. “أيها الجلاد. عُدْ إلى قريتك الصغيرة. لقد طردناك اليوم، وألغينا هذه الوظيفة”
أشترينا لترين أو ثلاثة من مغيبات اللحظات التاريخية، وذهبنا إلى مشروع دمر، نرى بعيون جاحظة ما يحدث في مجلس الشعب، انتظرنا ليقوم أخرون مثلنا باستحضار اللحظة، اتكلنا على بعض، تهربنا منها، كنا أقوياء والنظام بمنتهى الخوف ولم نعرف إننا كذلك ولم نشعر كنا مخدرييين معتقدين أنه سيسقط نفسه ويعيد لنا سوريا،. سمحنا أن تهان بلدنا بمهزلة تاريخية ابتلعنا الإهانة وبدأ الكثيرون يسوقون لابن المجرم ويبررون الإهانة في بلد الأسد حقا.
لم نكن ندري إنه كان علينا ان ننزل ملاقاتها لأننا جبناء، لأننا نشك بها، لاحقا بعد أحد عشر عاما كاملا سنكتشف إن المقبور كان قد عرف أن الحافظية انتهت بمقتل ابنه على طريق المطار. وأراد الانتقام من السوريين جميعا كأب مفجوع بأعز ما لديه ومن خبثه سلّمها لبشار.
.وانخرطنا في غياب طال طويلا وحين أفقنا كان كل شيء انتهى وسمعنا رئيسنا الألثغ الطيوب المديد القامة في خطاب القسم يعد بربيع سوريا يتفتح خيرا كان فعل مذل للسوريين تقبلوه بهدوء.
بدأنا بعدها بالرحيل، مرة بسبب بدل الجيش ومرة بسبب إن كل سوريا كانت تحتقر الجيش وتعيش في كنف الجيش والبلد يتناهبه الجيش، بينما سيارات مكتوب على نمرها الجيش تجوب الدروب كوحوش جاهزة للافتراس.
سلكنا طريق المطار باستقامة المتعبد، وصرنا من أهل الخارج، وصلنا إلى صقيع الأرض واصقاعها ..
اليوم نحن المرجمون بتهمة الخارج وإننا في آمان بينما بلدنا تباد على يد الولد
.. أعترف بأننا كنا جبناء أحتسينا القهوة المرّة ولم نجرؤ عن قول تلك التعويذة التي فتحت كوة نور في صدر الصخر الجاثم على بلدنا .. ” الشعب السوري ما بينذل “
أتخيل اليوم صديقي الكردي يجلس في ركن الدين أو على سطح بيت في” زور أفا ” .. يغني لجوان حاجو وشيفان وفقيه طيراه. على طنبورته ويستدعي اللحظة ..
اللحظة التاريخية ما غيرها المليئة باالأشواك. القادمة لا محال. التي ندفع أثمانها مضاعفة هذه الأيام.
مقال معاد النشر لضروريات اللحظة التاريخة.
أتخيل اليوم صديقي الكردي يجلس في ركن الدين أو على سطح بيت في” زور أفا ” .. يغني لجوان حاجو وشيفان وفقيه طيراه. على طنبورته ويستدعي اللحظة