الصفحة الرئيسية / تجريب / في شتاء القرى

في شتاء القرى

سامر المصفي

 
اذكر انه جاءني قبيل منتصف الليل مجترحاً مقدمة غير تقليدية – وكان ذلك في العام ١٩٨٩
/ اعتبِرْني – قال – تائهاً في الصحراء وانت تحمل دلواً من الماء 
(يا للاطفال، ما أن تعضُّهم نحلة حتى يبدأوا بكتابة الشعر)
لم يمهلني لاذبح له قصيدةَ الترحيب، أو اسخّن ابريقَ الاهلا وسهلا على الاقل 
و تابع: 
/ خَيّوه: – وللهاء هنا درجة حرارة اعلى من معدلاتها في مثل هذا الوقت من الكلام-
قلت: ابْشر
وكمن يمشي على الهواء دخل وجلس واشعل سيكارة (ونفض على الارض) لم يكن حتى يراني على ما اظن ثم بدأ يتحدث من بطنه عن استحالة استمراره في العيش من دونها وعن شيء ما يمنعه من الاكل والشرب والتنفس والنوم والدراسة ولعب الطرنيب وكل ما قد يميزه عن القداحة التي يعلكها بيديه، سوى لو انها تلمس يدَه الان – امنيته الوحيدة كما يصرّ – لخرجت النار من عينيه. تركته ينهي قصيدته – اذ من غير اللائق مقاطعة عاشق ينتحر- ، وانا اعلم ما يريد واعلم انه ليس سوى فتاة قادرة على اخراجه من فراشه وبيته في مثل هذا الوقت من شتاء القرى. (كان يجب ان اشير الى انها قصة حقيقية ولم اعد اعرف اين سأضع هذه الجملة) حسناً لا يهم،

في النهاية استلّ قلبَه ووضعه امامي على – نسميها الطربيزة – وطلب ما اعلم انه جاء من اجله. يريدني ان اكتب له/لها رسالة تصرّف هذه الحمى الى كلام وقصائد، ورغم اننا جميعاً كنا لانزال نعاني من حَب الشباب ونستمع الى سميح شقير الاّ انني كنت معتاداً على تقديم مثل هذه الخدمات للاصدقاء والمعارف و تسعيرتي معروفة /لم اكن لاساوم كثيراً : فرسالة بنزار قباني في حال اصرّ على عدم البوح باسمها، ومحمود درويش عندما تكون التفاصيل كاملة (من يكترث ان الكلام عن فلسطين وليس عنها)
 
المهم ..
قلت له – من باب اداب المهنة – لمَ لا تكتب لها انت ما تريد، لن يقدر احد غيرك على وصف ما تحس به فعلاً؟!
قال: خيّوه .. بصراحة ( والهاء هذه المرة كانت حول معدلاتها) وعلمت ان شيئاً سيغيّر سير العملية الانتحارية وانه لن ينجح باطلاق رصاصتين في الرأس ( فاما ان اكون عرّابَه، او يكتب بنفسه ويوصل بنفسه) وكان حدسي في مكانه فقد اخرج من جيب قميصه ورقة لابد انه استخدم مسطرة في طيها لتصبح بهذه الدقة ثم عاد الى نغمة الصحراء ودلو الماء وطلب مني ان اعطيها الورقة فقط. ماعساي افعل العاشق دائماً يعمل عكس مصلحته 
قلت: تكرم / قال : اكيد؟ / قلت: اكيد / قال: يعني وعد ؟! / قلت: وعد / قال: بشرفك ؟!/ قلت: ولعية/
فخرج يزقزق كعصفور (اذكر انه خرج من النافذة) طبعا فتحت الرسالة و طبعاً يُخيّرها بين الموت على صدره او فوق دفاتر اشعاره ويطلب منها ان تنفجر او تنفقع او تنشلخ المهم ان لاتقف مثل المسماري.
/اووووف قلت ودخلت لانام../
فكرت – اذكر- بماذا سأجيب دهشتها المصطنعة وادعاءها بالضيق وتبرمها الذي ستوحي فيه امامي انها تستلم يومياً عدة رسائل من هذا النوع وبماذا سأجيب على سؤالها الحتمي (ولماذا ليس هو؟!)
في الواقع غفوت قبل ان اكترث للاجابة، فالرهان لم يكن على كلماتي وما قد تفعله/فلمَ قد اهتم؟!
نعم صحوت وذهبت الى المدرسة ثم اليها واخذتها، كلمتين راس على جنب، وقلت هذه لك من فلان، ثم اجبت عن جميع الاسئلة كتلميذ شاطر ومضيت لادخن مع الشباب خلف السور 
(شعرت لاحقاً بالندم كان علي ان اخبرها شيئاً عن الصحراء ، وكيف انه باستطاعة احدهم ان يمشي على الهواء وكيف يخرج من النافذة)، كان يمكن مثلاً ان اخبرها ان فلاناً يقدم لك قلبَه على طبقٍ من ورق – مع اني لم اكن قد قرأت هذه الجملة لمحمود درويش بعد، لكن كان يمكن ان اقولها انا لو اردت –
الاّ ان فأفأتها ومأمأتها وكأنها تستلم الرسالة الرابعة هذا الصباح جعلتني لا افعل ربما)  حسناً اعتذر لن تكون النهاية سعيدة ولن يكون هناك نهاية اصلاً، فمنذ ان عدت من خلف السور وحتى نهاية العام الدراسي لم الاحظ اي تغيير. كل ما يمكن اضافته في هذه الخاتمة انه لم يفاتحني بالموضوع ثانية وكان كلما التقينا تقول عيناه (لابد انك كنت تحلم في تلك الليلة) فتجيبها عيناي (حسناً لا عليك) 
وسوى اني رأيته بعد شهرٍ تقريباً يخرج من نافذة احد الاصدقاء يزقزق كعصفور دون ان يقول حتى مرحباً 
– لم يرني على الاغلب –
لم يحدث شيء

عن سامر المصفي

سامر المصفي
مدوّن سوري - كتّاب دحنون

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.