سامحنا يا شاحال

فادي عزام 

 

بالعدوان الماضي على غزة 2010 كتبت عن معاناة الطفل الإسرائيلي شاحال.

يكفي اليوم ان أقوم بتغير طفيف كيلا يتغير شيء. ليس من المستغرب أن يتم وضع الصور قادمة من الدمار السوري على أحداث في غزة، كما لم يكن مستغربا أن يستعير بعض النشطاء بصور سابقة من دمار غزة  وتمريقها على أنها حصلت في سوريا. إنه التطابق التام والمجرم واحد والنتيجة ذاتها بنفس الوضوح.

يمكن لك أن تكره حماس والجهاد الإسلامي والأخوان المسلمين كما تشاء، ولكن موقفك من شاحال لن يتغير. إنه العار نفسه، بصيغة أشد وضوحا  ظهّرها على الملأ الألم السوري الموازي لشقيقه الفلسطيني.

شاحال طفل “إسرائيلي” عمره ست سنوات يعيش في عسقلان في منزل أصحابه نزحوا عنه قسرا وأصبحوا لاجئين في أحدى مخيمات غزة .

شاحال أصيب بجرح في يده اليمنى وخدش وجهه الصبوح وعقرت ركبته بسبب الزجاج المتطاير بفعل صاروخ محلي الصنع قادم من غزة، سقط في حاكورة بيت شاحال،

السي ان ان خصت شاحال بتقرير، رصد معاناته وصورت حزنه على دراجته وكيف احتجزت طفولته في ملجأ عشر ساعات يوميا، وتناوب في التحليل أخصائي نفسي يؤكد ان مستقبل شاحال في خطر وطفولته أفسدها الرعاع، وأنه يحتاج لجلسات علاج ستمتد على مدار سنوات،ومعلق سياسي أمريكي رفيع يدين همجية الفلسطينين، وخصته القناة الرابعة الفرنسية بتغطية حصرية لرصد معاناته وأفردت له صحف كندية وأسترالية وفنلندية وسويدية وبلجيكية وهولندية صفحات ملونة ،و تبرعت منظمات إنسانية أوربية بطقم دراجات هوائية لشاحال.

وخصّ الألمان راتب ثابت له حتى يدخل الجامعة كتكفير عن عقدة الذنب التاريخة بحق أجداد شاحال الذين شووهم في الهلوكست على أنغام موسيقى فاغنر.

وتبرعت براجيت باردو بإعادة تأهيل نفسي لكلب شاحال المصاب بالصدمة من الصواريخ القسامية ،وتداعى الفرنسيون لمناصرة ليفي أبو شاحال الفرنسي الأصل، وبكوا مع والدته إستر التي ما تنفك تجفف ملابس شاحال نتيجة تبوله اللا إرادي، وأرسلت له حكومة عربية مشهورة بصناعة القطن دزنيتين من الملابس الداخلية، وتوعد جيرانه من المستوطنين أن يثأروا له بعشرين مدرسة في غزة.

ورصدت له الفوكس نيوز تقريرا فيه الكثير من العاطفة يتحدث عن عجز شاحال عن العزف على السكسفون البارع به، وقام أصدقاء شاحال بالتوقيع على قذائف مدفعية أرسلها جيش الدفاع الإسرائلي إلى مخيم الشاطئ وجباليا والشيح رضوان كرمى لعيون شاحال.

عيد ميلاد شاحال كان في شهر كانون الثاني، أهداه نتياهو أكثر من أربعين صورة لأطفال دفنهم أحياء تحت الأنقاض انتقاما لقطرات دمه المقدسة ، واحتفلت به القيادة العسكرية، فحولت القطاع لحفلة ألعاب نارية فسفورية تضيء سماء القطاع وانشطارية وحارقة ومدمرة بعثتها الولايات المتحدة خصيصا للمناسبة.

وتصدرت صوره صحف العالم الغربي، شاحال يعاني الويلات، يريد أن يحيا بسلام وأمان فرصدت الفوكس وثائقي كامل عن تضحيات جدي شاحال في الحرب على النازية وانقاذ العالم المتحضر من وحشية الهلوكوست وأصحابها. شاحال استنهض همم بعض شعراء الغرب ، فبعثوا بقصائد تطلب منه الصمود والغفران، وتستميح طفولته عذرا على الاعتداء السافر، شاحال ينادكم يستصرخ إنسانيتكم، فلبت الكثير من قنوات الفضاء العربية النداء، وطلبوا (السموحة) من شاحال بعدم خصه بالذات ولكنه سيفهم الرسالة. جادوا عليه بالمسلسلات السورية والمصرية والتركية، أطربوه بالبرامج الترفيهية، خصوه بالأغاني والإس إم إس ورصد ريعها طوال شهر لعائلة شاحال المنكوبة. تجند الكثير من الصحفيين العرب لمهاجمة مطلقي الصواريخ على حواكير عسقلان، دانوا الغوغاء والبجم والثورجيين والمتطرفين والإرهابين من حثالة المقاومين المشبوهين على اعتدائهم السافر على شاحال وأهله ودولته وحضارته. طالبوا بتحويل المحرضين للمحاكم الدولية، استهزؤوا من عبثية الصواريخ التي لن تطال من صمود شاحال وأهله، اتهموا مؤيدي قاذفي الصواريخ بالتخلف والتأخر عن ركب الشعور الإنساني الرفيع.

شاحال أيها الطفل البريء أغفر لنا همجيتنا، سننتظر منك بفارغ الصبر أن ترضى وتقول كفى، ولا يهمك مازال لديك مليون ونصف نقصوا ألفا وأربعمائة فقط تستطيع ان تتصرف بحياتهم ريثما تتوقف عن التبول اللإرادي مثلك مثل الكثير من البالغين الآمنين في شققهم وقصورهم الوثيرة، شفاك الله بحق يهوذا وجريدة السياسية الكويتية، وموقع العربية نت وثلة من صحف مصر  سي سي.
عفاك الله وعافى محبيك من الكتاب ورؤساء التحرير، نصلي لك كل يوم قبلاتنا الحارة التي نتمنى أن تمنحنا الشرف لطبعها على يدك المكلومة.

أنا أحمد الفلسطيني السوري فليأت الحصار

أحمد الطفل الفلسطيني أو السوري هو أي طفل فلسطيني أو سوري مات مختنقا بغاز الكلور أو ممعوسا تحت الأنقاض، استشهد أو قتل، محق أو أطفئت منه جذوة الحياة.

حصل على علامة تامة تقول يا ربي دخيلك خلصنا. وربع مظاهرة لمجموعة مما تبقى من الناشطين السوريين ومن في حكمهم في العالم- الباقي  (مشغولون بتدبير أمور اللجوء) – حملت صوره وجابت كم زقاق خلفي في المدن العملاقة، وهو مفغور الرأس وبنصف جسد، وأكثر من ألف قصيدة شعر تتغني بطفولته وتتحسر عليها، أحمد هو أي طفل فلسطيني أو سوري من عائلة الدرة أو عياش،الخطيب  أو بكور  أو أي عائلة فلسطينية أو سورية مات في غزة أو اليرموك في حلب أو  مخيم الشاطيء  أو سيموت فيها بعد سنة، أحمد أيضا حصل على شهادة وتعاطف من صحف الاعتلال العربي ومحطاته الفضائية ولكنها شهادة مشروطة فيها تلميح أنه ضحية حماقة تسمى المقاومة ضحية وهم اسمه الربيع العربي، ومنذ يومين ينشغل الثوار عنه بشتم عباس، أه ماذا لو كان اسم عباس هو عمر أو أبو بكر ؟؟ هل كانت الشتائم ستكون أقل؟

على كل .
أحمد لا يعبأ بالاثنين لأنه أرتاح من الجميع.
بالطبع لا يعرف شاحال و”الشحاليون “شيئا عنه، كل ما خلفه هو حذاء ملطخ بدمه يرفعه في وجه العالم ولسان حاله يقول للجميع .
لا تغفر لهم يا أبتي إنهم يدرون ما يفعلون. 

عن فادي عزام

فادي عزام
كاتب سوري، صدر له "تحتانيات" نصوص. "سرمدة" رواية ترجمت الى الإنكليزية والألمانية والإيطالية