بادَرني الحديث بعد التعارف مباشرة ب (مو كانت سوريا احسن قبل هالاحداث ؟؟!)
– شامي من الميدان يحدثني عن (الشكلسة) والفودكا والبيرة وسهرات مشروع دمر في القهوة التي يملكها الممثل الفلاني وعن صديقه الذي اعتقله الحاجز ولم يعرف عنه شيئاً منذ سنتين ولا ينسى ان يردد بين كل ثلاث جمل والرابعة: (اللهم اني صائم)
سؤاله ينطوي على تأييد واضح للنظام لا تخفيه عبارات الاسف على الدمار والقتل والدم
تجعلك – ونادماً – تكتفي بانعاش ذاكرته قليلاً مع المخابرات كشامي وصاحب رزق وابن سوق ليسرد لك حكاية تنتهي به لان يشتم – ليس النظام وحسب – بل ويكفر بجميع الالهة ..
(مو حارق قلبي غير جماعة حزب الله) يقول والغضب يلون اذنيه بالاحمر
كانت المرة الاولى حين مر على حاجز قريب من قصر الشعب بسيارته ال ٤ طن والمحملة بمواد غذائية وطلب منه العنصر السوري بضعة اكياس سكر ورفض مما جعلهم يدخلونه لل( سيدي) المسؤول الحزبلاوي الذي يشبعه ضرباً ورفساً ويسجنه لثماني ساعات يخرج بعدها ليجد سيارته فارغة تماماً من ال٤ طن اغذية.
يتذكر بمرارة شديدة كلام الضابط اللبناني وشتائمه لعرضه ولسوريته التي جاء من لبنان لحمايتها من التكفيريين وكيف انه هو (اخو المنيوكة) الذي يستكثر فيهم كيسين سكر..
يلعق الشاب الثلاثيني جراحه ويمسح الدماء بثيابه ويتابع بسيارته الفارغة وديونه المستحقة لاصحاب البضاعة مردداً على مسامع نفسه (السوري لا يفعل هذا بي، السوري لا يفعل هذا بي ).
(اللهم اني صائم) ثم يطلق شتيمة تطال اخت حسن نصرلله. و يضيف بأنها – مع ذلك – تبقى افضل من المرة الثانية عندما اوقفه حاجز في المهاجرين قريب على وزارة الخارجية بالسيارة ذاتها و٤ طن مواد غذائية جديدة ، الا ان الحاجز هذه المرة سوري بالكامل .. نزل وقد جهز- سلفاً – بضعة اكياس من السكر للشباب مع عبارات التحية لقائد الوطن ورجال الوطن ، لكن رجال الوطن لم يكتفوا ببضعة كيلوات بل ارادوا الحمولة كاملة، حاول الشاب استجداءهم مقسِماً انها دين عليه، وليس له منها الا الربح لكن ومع اصراره اضطروا (آسفين) ان يواجهوه بالحقيقة: (هذه السيارة كانت تهرب سلاح الاسبوع الماضي للغوطة). ضحك الشاب مردداً (غوووطة؟) وكانت الصفعة الاولى ، ثم تلاه حفلة تعذيب استمرت لاسبوع كامل محتجزاً بمكان لا يعلمه، الى ان جاءه في اليوم الثامن ضابط يصفه بابن حلال قائلاً (اتريد الخروج حياً؟! وقع على تنازل عن السيارة). وقّع الشاب ليجد نفسه في الليلة ذاتها مرمياً قرب بساتين الرازي بلا نقود او هوية وثياب مليئة بخرائه و دمائه.
(يستطرد: عندما اسألهم عن الحمام، يقولون اعملها ع حالك).
يتوقف عن الكلام ليمسح دموعه (يعتذر: زلّوني يا شريك) ثم يستحضر شيئاً ليتوازن (كان عندي بيت بياخد العقل، اطلالة على جبل الورد، مستودع ببيت سحم، سيارة وبضاعة، ما ضل شي، كلو راح).
دفع مبالغ طائلة لاستخراج هوية جديدة وبلّغ عن السيارة -كما نصحوه رجال الوطن على الحاجز- بانها مسروقة ثم سافر الى بيروت ومنها الى دبي.
يستطرد مرة اخرى: اهل صديقي يطلبون مني المال لاساعدهم بمعرفة مصير ابنهم، اذ اتصل بهم احد الواصلين (يصفه ايضاً بابن الحلال) طالباً مبلغاً كبيراً لمعرفة مصير الشاب المعتقل منذ سنتين ( مصيره فقط )
يقول: (والله ما معي، هوي الله يصلحه لابس اسوارة بعلم الثورة ومارق عالحاجز ؟!! الله ما قالا!!
يعني انا لو ما كنت حاطط يومتا على موبايلي صور المعلم كنت رحت فيها كمان )
ثم يعود الى تلك الليلة في مشروع دمر عندما اوقفهما عناصر الحاجز (مشكلسين) و اشبعوهما ضرباً، وكيف انهم هنا لحمايتهم وحماية البلد، بينما هم يشربون بيرة، فسرقوا البيرة والموبايلات والنقود وسرقوا ايضاً حياةَ من كان منهما يضع علم الثورة.
بينما الثاني لا يزال مقتنعاً بان السوري لا يفعل هذا بي بالتأكيد وبان سوريا كانت أجمل من الان… مو؟!!
الصورة: كاريكاتير هاني عباس
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.