الصفحة الرئيسية / تجريب / قدمان على أرض تميل – ٤
مقطع من تشكيل لأسامة نصار

قدمان على أرض تميل – ٤

مصعب النميري

 

1-
ها أنتِ
أيتها المشيمة
تتلقين إهانة من العيار الثقيل
وتُرمين في القمامة
بين المناديل وأعقاب السجائر
وتأسفين
لأن الجنين لم يكن هرّا

 

2-
كل تلة من التراب ستصير جبلا قاسيا بعد أن ينزل المطر.
كل الأنهار تطوف عن مجراها حين ينسدّ مدخل الساقية بالأكياس والأحذية القديمة.
كل الساحات تكون ملاعبا قبل أن يسوّرها المقاولون.
كل الأولاد سيعودون إلى البيت بكنزات حمراء بعد النزول عن شجرة التوت.
انقلب الفصل في خمس دقائق يا أمي، ولم أعرف أنها ستمطر عليّ بملابس الصيف.
لم نعرف جهة الرّعد، فلم نعرف جهة الهروب.
أدخلنا حديدة معقوفة الرأس في طرف العجلة فتحدرجت وركضنا ورائها، تحت المطر، دون أن نرفع رؤوسنا إلى الأعلى.
ونحن الآن لا ندري أين نحن الآن
ولا نعرف كيف سنعود.
ونرجوا أن لا تكوني واقفة على الشباك… وتنظرين بقلقٍ إلى مدخل الحيّ.

 

3-
صار شيخا
يعلل ما لا يتعلل
من تلقاء نفسه

صار يعرف
أن الجميع مغلوب على أمره
فانحنى لأيامه
كالعشب المدهوس

صار شيخا ويعرف
كيف ينحني
لكنه لم يعرف لماذا
ينحني هكذا
كالسنبلة
وليس ثمة من يتقدّم بالمنجل

 

4-
عندما قلت لجدتي، التي كانت تنتظر وضع اللقمة التالية في فمي، أن اللحمة قاسية ولا أريدها.
نهرتني قائلة: استعمل سنونك، بكرة يمكن تصحى وما تلاقيها.

 

5-
كلما نزل من الحجرة الزجاجية العليا إلى السفلى عبر الممر الضيق، راوده الأمل أن يستقر في هذه السقطة على الشاطئ الذي جاء منه. لكنه يهوي مع الأمل الخائب إلى السجن الآخر في الطابق السفلي.
كان الرمل الذي ينقلب في الساعة الرملية يود أن لا يكون عبرة ومضرب مثل في الانتهاء والتلاشي، أسيرا بين الجدران الزجاجية، التي كانت رملا مثله فيما سبق. لكنه ودّ ما لا ينبغي أن عليه أن يودّه. الرمل يشكو أيضا من الإخوة الأعداء.

 

6-
هناك ما يدفع المرء لأن يكون حكيما رغماً عن أنفه. هذه العواطف تذهب إلى غير المكان المناسب. إنها تندفع كقطيع من الثيران نحو لوح زجاجي تهشم من الضغط. تخرج من المكان الخاطئ أيضا. عواطف تخرج من الركبة والكلاوي ولا تخرج من القلب. تجرنا خلفها كما ينجر المحراث وراء الدّابة. ينبغي أن نكون حكماء وننظر إلى الأشياء بعيون مزمومة. أن ننفصل عن الواقع. أن نصعد إلى البرج العاجي كل عشر درجات بفشخة واحدة. أن نبتعد عن القلق وقضم الأظافر. الأمور تتطور من دون أن يشعر المرء بذلك..سنأكل أنفسنا بأنفسنا ونتجشأ بلباقة بعد هنيهة. سيأتي الأعداء ولن يجدوا أحدا. الأعداء لا يقضمون الفستق على الشاطئ. الأعداء يتقدمون ونحن أمّة كبيرة متلاشية. نحن خائفون من أن نخاف دون تخطيط مسبق. الهزيمة واقعة واقعة يا قوم.
هناك من يقول ولا يفعل. وهناك من يفعل ولا يقول. والجميع يتحدثون عن مدى تناسب الأفعال والأقوال. السادة القضاة يضربون على الطاولة غضبا والقاعة فارغة. الجميع متّهم ومحكوم غيابيا. والمجرم لا يعرف مكان الجريمة بالتحديد، حتى يعود إليه بمعطف ونظارة شمسية.

 

7-
مهود قاسية وتلال من الحجر. ها أنت يا إلهي تدفعنا من الخلف إلى عراك جديد. ونحن لا نخذلك في شيء. نمشي كالعسس في عتمة الليل بحثا عن الحقيقة. تحت الصخور المفلوقة. في قيعان البحار. بين الأعشاب المدهوسة في أخر السفح.
ها نحن ذا لا ندفعك لأن تأسف على خلقنا بعيون ملونة، وركب تئز بعد المضاجعة، وأكفّ تصطفق ببعضها لدى إنهاء المهمات.
كلما دخلنا في عركة جديدة مع إحدى الأفكار، يا إلهي، كما ترى، لا نعرف أماكن الرضوض في أبداننا،إلا بعد أن يبرد الدم.

 

 

الصورة: مقطع من تشكيل لأسامة نصار

عن مصعب النميري

مصعب النميري
كاتب سوري مقيم باسطنبول، حاصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال. له نصوص شعرية غير منشورة بعد.

2 تعليقان

  1. كاالعادة . تتركنا كلماتك معلقين في الفراغ كصاعقة ما أجملك يا مصعب

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.