الصفحة الرئيسية / تجريب / بدون ملابس داخلية تحاول الطيران
أربعة أطفال
أربعة أطفال

بدون ملابس داخلية تحاول الطيران

حمد عبود

 

أين هو البرج العاجي الذي يمكنُ أنْ تختبئ فيه من كل هذا الموت؟!
أين هي البندقية التي تطلق رصاصا من فمها ولا يحشو مؤخرتها قطنٌ مبلولٌ بزيتِ السياسة فـينزلق كل شيء عن مساره؟!

أين الدراجة التي ستركبها لتعبر القارات بدون فيزا، أو على الأقل من حارة إلى أخرى دون التفكير في تبديل الإنتماء والعقيدة، ماذا حل بالمدن وحاراتها الموغلة في التفرع والاحتمالات؟!

عندما علمتُ بأن صديقًا آخر سافر من البلاد ليتركها أكثر برودة مما هي عليه، علمتُ بأن باص السفر الحافل بالخوف سينفجر بمنظر الخواء المتروك خلفه، نزلتُ وعدتُ إلى المنفى الاختياري، القفص الذهبي أو عالم “الفيكشن” الذي لن نصل إلى الحلقة الأخيرة منه أبدا طالما بأنّ المُخرج ينامُ على سفح الجبل ويسيلُ لعابه على كل مشهد.

إذ شعرتَ بأنك عارٍ يحومُ حولك ألفُ مغتصب بأفكاره المسنونة ابتسمْ، أنتَ على وشك أن تكونَ علامة فارقة في مجلد صور هذا العالم المتستر على جرائم لا تحصى.
لم يعد أحدهم يبذل عناء ترديد “1، 2، 3” قبل أن يلتقط صورة.
تجده أخذ صورتين أو ثلاثة ليُذكرك حينها أنْ باستطاعتكَ أن تبتسم.
لم يعد أحدهم يحرك شفتيه “1، 2، 3” ليقتل قتيلا أو لينْضَمَّ إلى جنازة أو ليؤازرَ حلماً ميتاً.
استبدلوها بكلمة “يا الله ”
أصبح الله يسبق كل شيء
القتل والعمل واللعب والسباب والتهديد والوعيد والأناشيد والمواعيد وليس بشكل مناسب كما يمكن أن تعتقد ..
حتى أن الفيفا أصبحت رويدا رويدا برعاية الله وإلا كيف يا تُرى انتقالها إلى قطر ، بقيتْ “رويدا” واحدة وتنتقل إلى المدينة المنورة..

“ْاضحك ْ”
تذكر بأن الهواتف التي نعتْ إليك أسوأ الأخبار كان فيها ضحك هستيري وإنْ كان من العجز
تذكر بأن القاتل المتسلسل صاحب الرقم الأكبر على مر التاريخ، تاريخنا على الأقل، يجلس الآن على سفح الجبل ويأخذ سِلْفي” لنفسه كلما سقط برميل وطار شهيد” .

كلما طارت طيارة تجده يركض إلى إحدى النوافذ ليضع يده في الهواء لتبدو الطائرة في الصورة وكأنها بين أصابعه الصغيرة أو تحط على راحة يده أو سربٌ من الطائرات يُزين رأسه كتاج من الغار
ينقع الصور وينشرها على حبل الغسيل فوق الجبل لتنشف ريثما تخطر بباله الخاطرة القاتلة التالية
الأغبياء نحن كان أكبر متعة أنْ نمسكَ بالهرم بين اصابعنا وكأننا عمالقة ويتضح بأن العملقة تحتاج مجهودا من نوع آخر ..من نوع خاص جدا.

اسأل نفسك، هل أنت متأكد أن اختيار الجبل كان لأسباب استراتيجية بغرض الحماية ، أنا أشكُّ!
السلفي والأنا والغرور وجنون البقر والعظمة والتقاط إشارة خليوية أفضل والإنفراد بالذات وملاقاة الله ومراقبة طرفي معركة محتدمة يقتتلون تارة بالأظافر وتارة بالكيمياوي والضحك على رجال تموت ورجال تصطنع الموت من بعيد جدا وبعدسة مقربة عملاقة هذا السبب الحقيقي وراء اختيار الجبال

“اخترْ جبلك المفضل. ”

ارحل إليه إن أمكن وخذ معك قلماٰ وورقة وكاميرة ورصاصات لبنية لتتحكم بكيفية سيلان لعابها لاحقا.. كلُّ قاتلٍ مسؤول عن رصاصاته وكل الرصاصات لا بد أن تشبَّ عن الطوق وتصبح عبئا تتخلص منه عندما تطلقها طائشة أو متعمدة.

لا بد وأنك لن تفهم كيف لأربعة أطفال أن ينتقلوا من هذه الأرض إلى تلك السماء ويتبخروا وهم يلعبون كرة القدم
لن تفهم لأن الملائكة لم يكن لها دور هذه المرة، ولم يكن بابا نويل أيضا يد في الموضوع لأنه لم يذهب إلى تلك الأراضي مذ استوجب عليه أن يستخرج فيزا سياحية أو تجارية ليسمحوا له بالعبور
الأطفال الأربعة كانوا يركضون خلف كرة القدم وبعد قليل أصبحوا يركضون أمام رصاصِ الغارة الاسرائيلية.
على الشاطئ لم يبق على الرمل إلا أثر الهدف الدموي الذي حسم اللعبة وأجّلها إلى موسم لن يأتي.

هل فهمت الآن كيف يتبخر الأطفال هذه الأيام؟!

دع الضحية تُقبل من تحب

1 2 3
دع الضحية يخبئ ما يحب أو يشرب ما يحب

1 2 3
اجعله يعتقد بأن السورة الصغيرة التي سوف يقولها بشكل خاطئ على عجالة سوف تنقذه من السقوط عن الصراط

1 2 3
1 2 ..

ماذا حدث للإعدام الميداني وكلمات الاستعداد والتأهب والتلقيم والتصويب والتسديد؟
هل يفترض بأحدهم أنْ يرحل بهذه السرعة بدون 1 2 3 وابتسامة ساخرة تعطي المشهد رؤية إخراجية مؤثرة؟؟
ها أنتَ تريد أنْ تموتَ مبتسما مع اشاراتٍ تبشيرية وإضاءة خافتة وموسيقى طبول رفيعة المستوى
تحب السينما والمشاهد المعتمة ذات الاضاءة الخافتة، لطالما اختليت بشاشة الكمبيوتر فقط لتصل تلك اللحظة التي يخرج فيها الأبطال من الزوايا ويبقى الشارع الطويل مرسومًا على الشاشة ووجهك كانعكاسٍ كبير على الأرصفة الهامشية…
أنتَ لست وحيدا بفضل التكنولوجيا ويا لفرحك بنفسك حين يخيب أملك بكل شيء .

ها انت تجلس على كرسي الحمام الناعم وشيء كالشوك ينخزْ.. وكل ما تريده هو أن ينتهي ألمُ هذا العالم …
لربما من الأفضل لك أن تخرج من الحمام راكضا عبر ممر البيت الطويل لتقفز من النافذة عاريا تحاول أن تطير مبتعدا بدون حبلِ الأخبارِ العاجل ليشدك إلى حيث تكره
1 2 3
….

 

الصورة: مجهولة المصدر

عن حمد عبود

حمد عبود
مواليد دير الزور هندسة اتصالات -جامعة حلب له مجموعة بعنوان " مطر الغيمة الأولى " عن دار أرواد - طرطوس محل الإقامة غير ثابت حالياً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.