أتعلمين،
أنا أبالغ قليلاً بكل شيء.
أبالغ مثلاً باحتضاني الحارّ لكِ بعد غيابٍ طويل.
أبالغ مثلاً بحاجتي المُلِحّة للقهوة صباحاً.
أبالغ كثيراً بشوقي إليكِ.
أبالغ بالخشوع عندما أسمع آذان الصبح.
أبالغ في إعجابي الشديد بمهدي زعرور، وبكرهي للأجهزة الذكية.
أبالغ تقريباً بكل شيء.
إذ أن دراما الحياة لديّ خفيفة جداً وبحاجة للكثير من التصعيد، لكي أنتج بها هذه الحوارات والعلاقات بكل أشكالها وأكسر بها الكم الهائل من الحقيقة التي أمل.
أتعلمين أيضاً!
كانت هناك طاقةٌ كبيرة تفوح من صوتك في المكالمة الأخيرة.
صوتك المليء بكلّ شيء، تماماً كطائر الدرّاج، ذاك الطائر الذي يجمع المشاعر كلّها بتغريدةٍ واحدة. لم أكن أعلم أنني يمكن أن أحبك إلى هذا الحد، إلى حد أن أميز اسمك في أي شيء أراه أمامي أينما كنت. الحرف الثاني من كلمة كرسي مع الأول من كلمة نادل مع الثاني من كلمة شاي يكون اسمك. أو الحرف الأخير من كلمة بار مع الأخير من كلمة زيتون مع الأخير من كلمة فودكا، إنه اسمك أيضاً. أترين كم هي مسليّة؟!. مسلية إلى حد أنني أشعر بغصة مع كل حرف من حروف اسمك في كل الكلمات، أو ربما أنا أبالغ قليلاً بكل شيء.
جميلٌ أن “سامي”، زميلك في الجامعة، سيرافقك في الرحلة. صحيح أنني أكرهه وأكره مايكتبه وأكره أنّك تُغالين بإعجابك لكتاباته ولكن الجميل بالأمر أنه سيرافقك شخصٌ نعرفه على الأقل.
اسمعي، لا تخافي من البحر. البحر أضعف من أن يستبيح أحلامنا. يجب أن تؤمني بهذه الجملة وتردّديها عندما تركبينه.
لا تخافي، ستعيشين حياةً سعيدة، وسيفاجئك كم هو مناسبٌ لكِ ماتخافين منه.
ثم إن الهجرة أمر طبيعي لدى البشر. والطيور هم الذين يشبهوننا ولسنا نحن من نشبههم، فنحن نهاجر منذ الأزل. كلنا كنا في البداية بدواً رحّلاً نبحث عن الماء والكلأ، والآن عن العيشة الكريمة لايوجد فرق كبير فالحياة تطورت وتغيّرت الحاجات.
ستعيشين حياة سعيدة. أنا متأكدٌ من ذلك..
خلف هذا البحر كل شيء مختلف.
جغرافيا مختلفة، هواء مختلف، طاقة مختلفة، أشخاص مختلفون، الناس هناك يصغون بشدة لأنفسهم لذلك يستطيعون ان يسمعوا هراءك الذي أكره. قد يعتبرونه مُهمّا. إنهم يصرفون أموالاً هائلة على المكياج والموضة وتناسق ألوان الثياب وما إلى هنالك، وأنت بارعة في ذلك.
ستعيشين حياةً سعيدة. هذه الفكرة تجعلني أتصالح مع قطعة السلاح هذه. وأعتقد أنه بإمكاني الآن أن أُحَمِّلَها الكثير من المشاعر، وأن أستشفّ مآسيها وأحلامها.
أتعلمين!
في بلودان عندما كنت نازحا – ولازلت – أقصد عندما كنت في بلودان. كنت أتابع المحادثات الغرامية بين دبابتين. إحداهما على الجبل الشرقي والأخرى على الجبل الغربي من المدينة. كنت أصغي إليهما بإمعان. ساشا وفلاديمير. إنهما من روسيا. وكان لدى فلاديمير بحّة جميلة في صوته. وكانت ساشا تكتب له الهايكو. كان شِعرها جميلاً ومُدمّراً. كانا يحبان بعضهما بشدة. لا بد أنهما افترقا الآن، فقد وُقّعت التسوية هناك وسيعود الجميع إلى منازلهم.
تخيّلي!، أهلي سيعودون إلى المنزل، وأنا سأذهب للحرب!
ربما تكون هذه الحرب تناسبني أكثر. وقد يفاجئني كم هو مناسبٌ لي ما أخاف منه. قد أكون محقّاً بهذه العبارة
ثم إن الحرب حقيقة خالصة. من يكره الآخر يقتله!. هناك يعود الجميع إلى غريزتهم. أنا بحاجة لهكذا نوع من الحياة، فقد أتعبني النفاق في هذه المدينة. الحرب تناسبني أكثر. سأجعل قطعة السلاح الخاصة بي تحب قطعة أخرى. سأتفّنن في ذلك. قد أجعلها تَنْظُم لها العتابا.
سأقنع زميلي في نوبة الحرس بأن قطعة سلاحي معجبة بمسدس العميد قائد الفوج، وبأنهما على علاقة، وسيقتنع ببساطة. فهناك في الكتيبة، قد يُصدق المرء أي حكاية مهما كانت خيالية ليكسر بها الواقع الثقيل.
أتعلمين أيضاً؟،
أنا أكره ما أكتبه. كلّ ماكتبته أكرهه من حروف اسمي المائلة على جلد الدفتر في الصفّ الأول إلى هذه الرسالة.
إنها محاولات للتورّط بدراما هذه الحياة، وهي دائماً محاولاتٌ فاشلة.
كان يجب أن أراكِ قبل أن تسافري. لم يُقنعني كرهك للحظات الوداع، فأنا أيضاً أكره الحرب ولكنني سأشارك بها.
كان يجب أن تودّعيني. لا لشيء، بل لتصبح المعادلة متوازنة بعض الشيء.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.