الخبرُ الأوّل الوارد للصحافةِ من فرقة التّحقيقات، بعد سقوط الطّائرة الأخيرة بضحاياها الرّوس:
“تفحّصنا قوائم الأسماء، ليس بينهم أيّ عربيّ”.
هو خللٌ فنّي إذن على الأرجح وليسَ عملًا إرهابيًّا -الرسالةُ المُضمرة في هذا البيان -.
لكنّ مصطلح “عربيّ” عمومًا ركيك الدلالة، هم يقصدون شيئًا آخرًا ولو كانَ ركيكًا أيضًا هو الآخر: مُسلِم.
بالمقابل، الوعيُ العالميُّ الحاليّ، أنّ أحداث بروكسل، وحتّى اسطنبول، وأيّ “تفجيرات” أخرى، لابدّ قام وسيقوم بها مسلمون، تنظيم داعش حاليًا القصد المباشر، ولابدّ -كالعادة – ستخرجُ فئةٌ تناقشُ القرآن بين النصّ والتأويل محاولةً دفع التهمةِ عن الإسلام، وفتح نقاش إعادة تعريف الكلمة الببغائيّة “إرهاب”، وذلك لإحساسٍ عميق ومتوالد تاريخيًّا بالمظلوميّة لدى عموم المتدينين كما لدى كلّ من يتبنّى الإسلام أنّه دينٌ مُحارَب ويتوجّب الدّفاع عنه دومًا، بالتّالي: تأكيد وتكريس أنّ الإسلام فاعل من خلال نقض الفعل، وليس إعادة تعريف آليّة عمل التنظيمات السّياسيّة المُخابراتيّة.
ثمّ ستخرج صبيّةٌ أو سيخرج شابّ بعد قليل في بروكسل: أنا مُسلم، هل تثق بي، إلخ.
بشكل عام هذه أحداثٌ سياسيّة لا دينيّة، الإسلام فيها كغيره من التحزّبات والعقائديّات مجرّد أداة سهلة التّحريك والتّوجيه لأسبابٍ عدّة، تبدأ في الرّغبة العاطفيّة الدينيّة الجماعيّة بضبط إغلاق النّصوص القديمة، كما في منتج تركيبة التكتلات الدينيّة السياسيّة ورداءة علاقاتها مع محيطها، ثمّ سهولة استناد قوّاد السياسة لهذا مع كلّ بقيّة العوامل المساعدة كما الفقر والأميّة، أيضًا أنّ الإصلاح الدينيّ أو التخلّص من المظلوميّة لا يبدأ أبدًا بنقض كلّ فعلٍ وكلّ تفجيرٍ وكلّ رأس مقطوع على حدى، ربّما ولو تخيّلًا حاليًا وجب إسقاط قيادات الإسلام السياسيّة كلّها في البدء، /التخلّي عنها على الأقل/، مقاطعة القنوات والصّحف الدعويّة وما شبهها ولحقها على الأقل أيضًا، الاعترافُ بالشّرّ في حرم السعوديّة وأزهر مصر وفي العراق وإيران، سوريا، لبنان، وفي أيّ مكان مازال يناقش حتّى الآن طرق ضرب الزّوجة وأهليتها لقيادة السيّارة وحكم قطع رأس الكافر وحكم ما يُسمّى بجريمة الشّرف وأهلية محمد وعلي والحسين و و ، الخ.
نتّفق أنّ هذه التنظيمات كلّها سياسيّة، داعش وغيرها من الخلطات السرطانيّة الحديثة، لكن، فلنقل أنّها بجانب كبير من نصوص استنادها تقتربُ من أصل الإسلام المحمّدي، وهذا سهل المعالم في ما وصلنا تاريخيّاً بلا تفكيك أو صعوبة بحث، أما من قراءةٍ جديدة كُليًّا وإعلان جماعيّ جديد خارج كلّ التّفاسير القديمة لا يحوي سهولةً في قتل الآخرين -مثلًا- وذلك ربّما لدفع كلّ التّهم القادمة؟
بالنسبة لي، لا أعتقدُ ستحدث أي قراءات جديدة، لا في الإسلام ولا في غيره، من مرّ بكلّ محاولات التعقّل والتحوّل التي عاشتها الفلاسف خلال القرن الفائت وما زالت ولم يتخلّص من الفكرة الدينيّة الانطوائيّة غير القابلة للنقاش لن يتخلّص منها الآن، ثمّ، ها نحن، نصيرُ طائفتين واضحتين يومًا بعد يوم، أسمح لنفسي أن أسمّيها: “مؤمنون، وطبيعيون”، بالتالي، دوامُ الحال هكذا له نتيجة واحدة عالميّة رائعة: الإشاعة الأكثر شهرةً، المدعو الله، سيتآكل، يموت.
الأديان والأفكار كلّها ودائمًا تتآكل، لكن، بسبب التحوّلات السياسيّة خلال العقود الأخيرة وحتّى الآن في جميع الأنحاء، ما سيكون أصعبها وأكثرها دمويّة أثناء السقوط هو الإسلام، هل تثق بي؟
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.