هناك مشكلة عويصة تواجه كلَّ الكتّاب..
فليست الصعوبة بالفكرة ولا بالصياغة لكنّ أصعب المراحل هي الخاتمة.
سيذهب كلّ تعبك سدىً إن لم يكن لديك خاتمةٌ قاصمةٌ تكلّلُ عملك بنقطةٍ تلمع لتحسم الفكرة وتوصل العبرة.
فيلم the interview بدأ رائعاً، ونحن السوريون نهتم هذه الأيام بخفايا الإعلام وأكاذيبه ومؤامراته، خاصةً ونحن نرى الديكتاتور بشار الأسد يقفز من مقابلة تلفزيونية إلى أخرى على المحطات الكبرى.
فكيف يحدث هذا؟!
لنذهب إلى كواليس Skylark Tonight وهو برنامج حواري من نوع الصحافة الصفراء التي تستمد شعبيتها من مقابلات مع فنان يعترف بأنه شاذٌّ أو فنان يكشف أنه يعاني من تساقط شعره حدّ الصلع وفنانة تحكي عن خفايا أعضائها الحساسة!!
كل ذلك على الهواء مباشرة.
لكنّ نجم الساعة هو “كيم جونغ أون” رئيس كوريا الشمالية الذي يشغل أميركا، الرئيس الشاب الذي يمتلك السلاح النووي، ويهدد العالم.
ويتنامى إلى علم المذيع ديف James Franco أن كيم جونغ أون من أشد المعجبين ببرنامجه فيقرّر أن يجري خبطته الصحفية بترتيب لقاءٍ مع “الرجل الأعظم في القرن ال 21” كما يصفه الفيلم في الإعلان عن البرنامج!
ويبدأ النقاد بالهجوم على هذا الخبر: مقابلة مع ديكتاتور يقتل ويرعب ويعذب ويجوّع شعبه؟!! “إنهم يغارون”، هكذا يقنع ديف المنتج آرون.
ديف: أن تحصل على مقابلة مع بن لادن أو هتلر أو كيم جونغ أون، الأمر يتعلق بالجرأة. أن تعطي الشعب مايريده أول قاعدة في الصحافة.
آرون: أن تعطي الشعب مايريده ليست أول قاعدة في الصحافة. إنها أول قاعدة في السيرك!!
لا تفوت المخابرات الأميركية فرصة كهذه، لذا تحاول تجنيد المذيع ليقتل رئيس كوريا الشمالية بالسّم!!
تقول الضابطة الكورية الشمالية: إلى متى سترتكب أميركا نفس الخطأ مراتٍ ومرات؟؟
يكون الشرط للمقابلة أن يكتب الرئيس الأسئلة بنفسه، أن يحاور نفسه.
وفي بيونغ يانغ المليئة بالعسكر والمخابرات يحاولون بشتّى السبل إخفاء الحقيقة، وكيم نفسه لا يترك وسيلة لاستمالة المذيع بالخمر والنساء والرياضة والهدايا، وأيضاً بمتعة اللعب بالدبابة وإطلاق الصواريخ!
ولكن.. أهل بيونغ يانغ أدرى بشعابها، فهذا الرئيس الذي يقدم نفسه كإلهٍ للشّعب، إلهٍ لا يتغوط وليس لديه فتحةٌ شرجيّة لأنه لا يستعملها!!
الطريقة الوحيدة للقضاء عليه هي فضح الحقيقة أمام الناس، وجعله يتغوط ويبكي ويبدو صغيراً على الهواء مباشرة!!
فيلم يقدم مصيبة المصائب بالكوميديا، ويتمسّك بفكرة أنّ أميركا منقذة الشعوب التي تتوق للتغيير، وأنّ رجلاً أميركيا هزلياً بإمكانه أن يفعل ما يبدو مستحيلاً.
سيعجبكم كيف تُستخدم المجسّمات في الخداع، إنها ليست فكرةً مبتكرةً من صناعة نظام الأسد، حين ادّعى أن المظاهرات التي عمّتِ البلاد ماهي إلا مجسّمات للمدن في استوديوهات في دولة قَطر!! فبروباغندا ديكتاتوريات العالم تفكّر بنفس الطريقة.
الخاتمة بالنسبة لي كمشاهدة كانت سيئةً جداً، لكنّها تتماشى مع سريالية الحالة كلّها، والسينما الأميركية تستطيع أن تفعل مايحلو لها، فهي تلعب بالرأي العام كما يلعب كيم جونغ أون وغيره بأرواح الناس.
ربما نكشفُ كيف تُدبّر اللقاءات التي يتحفنا بها الإعلام، الإعلام الذي يعتبر السّبق مع هؤلاء من أولوياته، لكن لا تصدّقوا أبداً أنّ هؤلاء القتلة مرضى نفسيون، أو أنّهم ضحايا.
الإعلام شريكٌ أساسيٌّ بكلّ هذه الجرائم. ولن يتطهّر من الدّم الذي يغطي يديهِ حتى أكواعه، حتّى لو نجح مذيعٌ أهبلٌ بقتل ديكتاتور.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.