الصفحة الرئيسية / تجريب / بذلة سوداء أنيقة
إيغون شيلي - بورتريه

بذلة سوداء أنيقة

لطالما أحببتُ صغيرًا أن أصير ذِئبًا، أن أنتظر اكتمال القمر، أُشرّع وجهي للسّماء، أُرخي يديّ، أحني ظهري للخلف قَليلًا، ثُمّ أطلقُ عِواءً أشقّ به بكارة اللّيل وأصنع خللًا في تجمّع ذرّات الهواء أمام وجهي.

تخيّلتُ، أن أظلّ أعوي وأعوي وأعوي إلى أن يخرج جارنا وينهال عليّ بالسّباب و الشّتائم، ذلك الجار، أحقدُ عليه، لم يفهم عِوائي مرّةً، ذلك الجار لن يفهم أبدًا معنى أن تكون ذئبًا، معنى أن تكون قادِرًا على عضّ رقاب الخِراف التي تقوم بعدّها قبل النّوم كلّ ليلة.

لم تسنح لي الفرصة أن أُولد ذئبًا، أو أن أتربّى مع قطيعٍ من الذئاب، لم نسافر أنا ووالدي في طائرةٍ معًا أبدًا، كما لم تسقُط بنا طائرة فوق غابة وبعدها يأتي نمرٌ ويقتلُ أبي ثُمّ يقومُ قطيع من الذئاب بتربيتي، لم أملك جواز سفرٍ سابقًا يخوّلني السّفر في طائرة، لم أعرِف أيّ شيءٍ عن ركوب الطّائرة إلّا عندما هرَبْت.

شعرتُ دائمًا أنّ في داخِلي يسكُن ذئب صغير، فشلتُ دائمًا في إطلاقه، أذكرُ المرّة الأولى التّي سمعته يعوي طويلًا، هي المرّة الأولى التي رأيتُ فيها وجهك، أصابني انقِباضٌ في القلب، ورغبة كبيرة في اقتلاع قلبك وأكله، نبضه عندها كان شهيًّا جدًّا، تصطكُّ أسناني و يسيلُ لُعابي حتّى الآن كلّما سمعته.

أنا سيّءٌ في الرّكض، سيّء جدًّا يا غزالة، يُنهكني ثقل الحزن على كتِفيّ أثناء العَدو، لم أستطع اللحاق بكِ أبدًا، لم أستطع اصطيادك ولا مرّة، دائمًا ما كُنتُ أعود حزينًا أجرّ جثّة الخيبة خلفي، أوقِدُ نارًا، أعتلي جرفًا، وأعوي.

تعالي أُحدّثكِ عن الحزن، أنّني كلّما رأيتُ في الصّور وجهك لا أسمع نبضَ قلبك، يغصُّ قلبي وأذرف قطيع ذئاب تَعيسة و ضعيفة.
تعالي أُحدّثك عن الحزن، أنت يا غزالة، عَنِ اللّيل، أنّ هذا اللّيل سوسة كبيرة تَنخرُ في ضرِس الكون وذكريات السّاهرين، أنّ هذا اللّيل ذِئبٌ مُفترِس، كلّما زِدْت اشتياقًا عضّك.

هل تذكرين بذلتي السّوداء الأنيقة التّي لبستها في وداعك؟، كانت تلك المرّة الأولى التي ألبس فيها بذلة أنيقة في حياتي، ربّما لا يُمكنك تذكّرها، كُنتِ ميّتة حينذاك، أذكر هذا تمامًا، قام أحد الصّيادين بإطلاق سهمٍ على عُنقك، أُعذريني، كان السّهم أسرع منّي، لم أستطع أن أصِلَ قبله، كان سريعًا وأنا كما أسلفْتُ لكِ، سيّءٌ جدًّا في الرّكض ويُنهكني ثقل الحُزن على كتِفيّ أثناء العدو، هذا ما أريد إخبارك به، هذا الحزن، أنّك لم تتمكّني من رؤيتي ببذلةٍ سوداء أنيقة، وأنا أرمي التّراب على وجهك، و من عينَيّ يسيل لُعاب ذئب جائع.

عن نبراس تركيّه

نبراس تركيّه
سوري من مواليد 1993 يدرس الاقتصاد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.