إنه تماماً نفس الوقت.. هناك فرق بسيط فقط أن عددهم الآن يقارب ثلاثة عشر ألفاً.
في مثل هذه الساعة منذ عام، كان أنس الشغري يحمل مكنسته وأكياس القمامة وينظف شوارع بانياس منتهياً من مظاهرة معلناً استعداده لأخرى، أنس قال يومها أن سلاحنا هو عقلنا وقلمنا وكاميراتنا.. ولساننا الذي لن يصمت طلباً للحرية..
أنس بطل استثنائي فريد من بلدي، لم يرضَ الاختفاء والتنكر، لم يقبل بغير حقيقة حلمه “أريد إسقاط النظام كما أنا..!” هكذا بجسدي النصف ممتلئ المقدود من سنديان هذي الأرض.. بلحيتي الغير مكتملة وعيني الغائرتين الواسعتين اللتين رقصتا على صدح الحناجر وإيقاع الأكف الرنّان.. من منّا كان يظن أن أنساناً كان وزير داخلية الإمارة السلفية في بانياس..؟!! وأن خطره جعل جحافلاً تترنّح بين السهول والوديان وتقف أمام بيته لتمسكه مخلصّة البلاد من شرّه المحتوم.. أمسكوه بكنزته البيضاء وصدريته الجينز.. والبث المباشر الشامت يرقص غبطةً وحبوراً فقد ألقو القبض على أخطر هامات القرنفل، وأعتى أسلحة الياسمين.
في حمص الاستقلال، مئذنة جامع الستين تحيك الفجر بتأنّ وغنج.. وتبدأ يومها ببعض الصرخات التي ما لبثت أن عمّت المدينة بعد أن قام النظام المغرور الشرس بفتح النار في تلبيسة و التسبّب بمجزرة!! هذه الكلمة الثخينة الثقيلة أكثر ما يتقنه الخطّاؤون والعبيد..فحياتهم بلا أسيادهم بغير معنى فما الذي ستعنيه حيوات الآخرين..!
في مثل هذا اليوم منذ عام.. كان للمعضمية صوت.. قبل أن يقتلع حنجرتها المتجبّرون. صوتها الذي أخذ يُبح شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح بوحاً خجولاً مرّاً.. علّقنا صوتها على صدورنا، وحفظناه في طيّات القلب، هناك حيث لن يصله جندي ولا عنصر مخابرات.
دوما وعذوبة حروفها المدلّلة، تلملمُ أبناءها بسخطهم الواضح وثقتهم التي تضاهي السحاب رفعةً وعنفوان، يتسكعون مستهترين برجالات الأمن والأمان، وينثروا صباهم وسنيّ شقائهم وتعبهم هنا في ساحة التحرير، كان بياع البقدونس حيّاً في ذلك اليوم..!!
في مثل هذا اليوم قبل عام، بحر اللاذقية يتأوه ملتاعاً، مدٌّ وجزرٌ وأنين، والدم يمخر عبابه غير آبه بلوعته، اللاذقية صبية أجبروها على الزواج بمغتصبها.. بهية الرمل و عروس الأزرق.. شاطئ الليمون حيث للجرح طعمٌ أمرّ وللقتل صوت ورائحة تنقلها نسائم المساء.
وعلى رصيف ساحة الشعلة في السويداء، وقفت سيدة تصرخ برجل الأمن المتهجّم عليها: “ما كفرنا.. عم نقلكن حرية.. حرية..” فيردّ مزمجراً: حرية…!!!؟؟؟ لا كفروا أحسن..!! شايفة هذا (ويشير إلى الصورة المعلقة على بناء قريب) هذا ربنا و رح نظل نعبدو..!
كأن للسوري في يوم استقلاله بوصلة معلّقة في عنق التاريخ، يمشي بخيلائه وثورته مستقيماً رصيناً ضاحكاً.. التاريخ يقول أن الثورة مستمرة ..إلى الاستقلال الجديد.غصّة في الجوف يا سوريا، والهواء ثقيلٌ كالشوق إليك، وأنتِ أنتِ صبية مهرك غال.. يفديك العمرُ المسموم الذي ينتظر عافيته، يفديك الزنبق والاقحوان، وشقائق النعمان، وما يقارب الثلاثة عشر كوكباً ومهرة.
وعلى رصيف ساحة الشعلة في السويداء، وقفت سيدة تصرخ برجل الأمن المتهجّم عليها: “ما كفرنا.. عم نقلكن حرية.. حرية..” فيردّ مزمجراً: حرية…!!!؟؟؟ لا كفروا أحسن..!! شايفة هذا (ويشير إلى الصورة المعلقة على بناء قريب) هذا ربنا و رح نظل نعبدو..!
إذا هذا ربهن .. فيلعن ربهن