يا سكّان الابتسامات، يقولون أنّ حمص على حافّة السقوط! وأنا أحمل ضحكتها الّتي سرقتها منك ولا أريد أن أصدّق.
أتخيّلُ أني أعرفُها حكراً ووكراً، وأعرفُ أقاصيصها وحكاياتها، ثمّ أزورُ حاراتها على “غوغل إيرث”! وأدمجُ الخريطة كيفما اتّفق، أخلُطُ بيوتَ الغوطة ببيوت باب هود فتبدو الأمور أقلّ كارثيّة، أتنزّه في الوَعرِ طويلاً، وأتذمّر لتأخر السرفيس وقلّة تكاسي الأجرة!
ولا أصدّق الإعلام، ولا أصدّق -كما أنت- أن قهوة الفرح قد تُمحى عن الخارطة!
هناكَ حديثٌ طويلٌ عن التقسيم يارفيقي، ووهنٌ ضربَ أساسات الدولة “بالجملة”، وأنا أستمعُ فقط إلى فرادةِ حبّك لها، ولا أصدّق.
وحصار! تخيّل أنّهم يتحدّثون عن حصار، ما الّذي ذكرهم به وقد نسوهُ منذ سنة! كيف تذكروه وهذا الكرنيب الّذي يُدعى الأسير لازالَ يولوِل، ويزعبر، ويتفاخر، على أكتاف كتائبنا الدرويشة؟! والعكروت الآخر، ذو العمامةِ المدمجة بنتانةٍ نادرة، تفوح منها رائحة العفن من حدود القصير إلى قعرِ أرواحنا، لازال هذا الآخر ينطوط لنصرة الحسين، وزينب، على أرض حمص!
ولا زلتُ لا أصدّق.
أبحثُ لك عن صورةٍ تذكاريّة في حاراتها ولا أجد، فلَم يخطر ببالِك أن توثّق لحظاتك في مدينتك! ألم يخطر ببالك يا محمّد أنّك ستفقدها يوماً؟، وأن آثارها ستمّحي، وأن جامع سيدي خالد سيبقى الشاهد الوحيد على همج العصر الحديث!
يا رفيقي العتيق ، لازال للآذان في حمص وقع الحجاز في الظهيرة، والصَّبا في الفجر، والعصر كأنه النهاوند يمشي في شارع العشاق، فلا تُصِخِ السّمع لهذا العواء، والهراء، ولا لغوايةِ هذا الحلُم الساديّ، ولا لهوايةِ هذا التعيسِ في تشريحِ أرواحنا وبلّ ريقهِ بدمائنا كلما عطِش!
لازال في فمنا الكثير من الكلام البذيء لنفرغهُ على باعةِ الكرامة، وتجّار الدم، خاصّة إذا كانَ سوريّاً..
وفي قلبنا أمنياتٌ تجعلُ الله يبتسِمُ لبساطتها..
حسناً يا رفيقي، لو كانت هذه الحربُ رجلاً لقتلته!
لو كان الله رجلاً لأوقعتهُ في غوايتي، وسلّمت حمصَ آخر أسرار الخلق، وآيات الرحمة، ولجعلتُ جدران سيدي خالد مرايا، كي يرى العالم نفسه عارياً كلّما نظر إليه.
حمص لا تسقط، إنّه وهمُ المتخاذلين، وحلمُ الطغاة.