الصفحة الرئيسية / تجريب / أرضي شوكي، أنكينارْ

أرضي شوكي، أنكينارْ

جمال منصور
كانتْ أصابعهُ دوماً ملطخةً بالسوادِ الفاحمِ
صاحبُ محل الألعابِ الصغيرةِ
في منتصفِ الحارةِ،
من العبثِ ببسكليتتهِ الصينيةِ القميئةِ
لربما،
ذاكَ الـ كانَ اسمهُ “فاروجُ”
والـ كانَ الكل ينادونهُ “فروجْ”—
كمْ كان يضحكُ
حين يخظؤونَ لفظَ اسمهِ
أو حينَ يدخلُ الأطفالُ محلهُ
ذا الدرجِ الملتفِ إلى السقيفةِ
حيثُ كان يخبئُ الفتيشَ والألعابَ المدهشةَ الملونةَ،
وحيثُ كانَ يخدعُ الأطفالَ بالخدعِ السحريةِ الساذجةِ؛
إلا خدعته الكبرى تلكَ
حين اختفى في قلبِ سيارةِ دوريةِ الأمنِ
الـ وكأنها ابتلعتهُ
ذاتَ يومٍ،
ولم يعُدْ
حتى اليومْ…
[فروجْ]

“إذا كنتَ في الخراءِ غارقاً
حتى الركبِ،
فما همَ نوعُ الحذاءِ
يا استاذ؟؟”
قالَ لي البويجيُ
المستندُ إلى جدارِ قهوةِ الروضةِ منذُ الأبدْ
وهو يتابعُ مسحَ الأحذيةِ النتنةِ القديمةِ
لروادِ المقهى
بخمسين ليرةً
—كالعادةِ—
للزوجْ…
[بويا، بويا]

أبو وليدُ
جارنا، النجارُ،
كانَ صديقي—أو كنتُ صديقهُ
لا أذكرُ على التحديدِ
مع أنني كنتُ بعمرِ أولادهِ الأشقياءِ
الـ لمْ يكملو التعليمَ؛
أكيدٌ
كنا أصدقاءَ،
فلطالما جلسنا على كرسيينِ صغيرينِ من كاوشوكٍ
على باب محلهِ
نشربُ الشايَ الغامقَ المرَ
كثيرَ السكرِ، ونشارةِ الخشبِ، في أسفلِ الكأسِ
نبصبصُ على أثداءِ بناتِ المدارسِ خفيفاتِ الخطوِ،
ونشتمُ
—من تحتِ أصواتنا الكتيمةِ جيداً—
الأبَ القائدَ
بلا أي سببْ…
[نشارةُ خشَبْ]
مشياً على الأقدامِ
بينَ فندقِ “بالميرا” في عينِ الكرشِ
وملهى “الكاف دو روا” في ساحةِ النجمةِ
كل يومٍ
أنتَ وأنا
كنا نلاحقُ بناتِ الليلِ الروسياتِ
إذ يذهبنَ إلى “العملِ”،
نحاولُ أن نلحسَ ذاكَ الهواءَ
الممتلئِ برائحةٍ
لا تشبهُ الخراءَ
الـ كانَ يغمرُ سماءَ دمشقْ…
[CAVE DES ROIS]
في شارعِ الحمراءِ
بينَ آرماتِ النيونِ
الـ على أسطحِ البناياتِ الشامخةِ/العاليةِ/الذليلةِ/الملطخةِ/الدميمةِ
ما زالَ يسيرُ كل مساءٍ
حطامُ البشرِالذينَ
لطالما طحنتهم دواليبُ شاحناتِ “تاترا” الروسيةُ
القذرةًُ
دائمةُ-التعطلِ، لغيرٍ سببٍ
إلى فتافيتَ
غيرِ-متساويةٍ
صغيرةٍ
تكادُ بالعينِ لا تُرى
من البكاءْ…
[شارعُ الحمراءْ]
أعواماً عشتُ
على المسبحةِ كثيرةِ-الطحينِ من عندِ “أبي وليدٍ”،
—في آخرِ الحارةِ—
وشربِ الـ “كراش” بالبرتقالِ
بستِ ليراتٍ،
خصوصاً حينَ كانتْ أمي
تطبخُ الأنكينارَ، الـ لم أكن أحبهُ بتاتاً؛
حتى كبرتً
وأكلتُ العصي/والبعصاتِ/والدفشاتِ، على دورِ الخبزِ/والخوازيقَ، من الأصدقاءِ/والخراءَ من الدولةِ، والنساءِ
وبتُ أشتهي الأنكينارَ
وصوتَ أمي
وبعضَ الهدوءِ لهذي الروحِ الجريحةِ،
بعضَ الهدوءِ
وحسبْ…
[ارضي شوكي، أنكينارْ]

عن جمال منصور

جمال منصور
شاعر سوري مقيم بكندا. مختص بالعلوم السياسية في جامعة كونكورديا