4 –
صباح من طائرات الورق، بيّت له أولاد الحارة النّية، زرعوا نباتات الزينة على الورق المقوى.. أطلقوا فراشاتهم في فنائه، ونثروا كلّ ما جمعوه من نجوم في الليلة الفائتة.. صباح يزور ليلتي الآن، بذيل حصان تدلّى على كتف المدينة، بطائرة علقت بين غيمتين لولد كان يشبهني.. بحكاية تذكّرني بالحياة بين حين وحين.
وصباح من طائرات حربية، تغير على أخوتي الحالمين.. صباح من عربات الجند والمجنزرات والبنادق المرخّصة، صباح من عطايا القائد المغوار، يجزّ عشب البلاد، يزرع الألغام في أحضان الأمّهات، ويشعل فتيل الموت من الشمال إلى الجنوب.. صباح شموس تتهاوى وأقمار تستباح، صباح عاشقة يتناوبها الكلاب على ذراع حبيبها المسجّى.
صباح أوشك على الصباح.. صباح أكيد.. يدنو من شرفاتنا بعد ليلة دامية، صباح يجدله هذا الشباب البهيّ من الوريد إلى الوريد.. صباح قصيدة حزّت على حنجرة القاشوش فأطلقها العاصي، وسكبتها النواعير في عروق الفرات.. صباح من بذور الحياة تتنامى في أصيص الدم.
صباح الشهيد.. صباح الخطيب، وهاجر، وزينب.. صباح تلبيسة، والرستن، ودير الزور.. صباح الشغور يمضي ليلته في خدر الفرات.. صباح حمص وحماة ودرعا البلد.. صباح حلب المرتقب.. صباح القرى كلها.. صباح الأسطح والبيوت التي تنثر الأرز من الشرفات.. صباح الأحياء والأموات ينهضون في عمر جديد.. صباح أكيد أطلّ بكامل زينته على الصباح.
وصباح الميادين، يعيد الغريب إلى بيته المهجور، يعدو عند منعطف النهر.. ينفض الغبار عن ذكرياته، يفتش في زوايا الدار عن ذيل طائرته الورقية، عن بكرة الحرير، وعن صباح بيّت له أطفال الحارة النية، وأيقظوا (الحوّاويات) من سباتهن، عبثوا بخميس الجارات، سرقوا أرغفة الخبز الحار من تنور أم شاوي، وملأوا السماء بطائرات الورق.
وصباح الميادين.. صباح أولاد البلد.. يهبطون من قلعة الرحبة إلى ساحة السرايا، يحملون النهر على أكتافهم، وفي ضلوعم صليل السيوف، ينفضون عن أجسادهم رائحة الزيزيفون، يهتفون ويهتفون ويهتفون.. لجمعة خزّن فيها الدمشقيون قات اليمن..
وصباح صغيري يعدو بقطاره الخشبي على سكك الرّوح.. يرتدي مريوله المدرسي، ويمنع عني قبلة الصباح..
صباح الخير.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.