الصفحة الرئيسية / نصوص / نثريات / في ثقافة جديدة…

في ثقافة جديدة…

.

.

.

.

 

يوسف أبو خضور

.

هناك في سوريا رعب ، رعب حقيقي من الثورة، تروج له نخبة و شرائح عفا عليها الزمن ، انتهى زمنها وصلاحيتها ، انقرضت، اندثرت ، اضمحلت ، تلاشت ، تحنطت وتصخرت وتملحت ….
هناك بلاد تولد من جديد تتحرر، تنشأ ، تبدع تبتكر، تخترع، تخلق ثقافتها الخاصة الجديدة


ثقافة غريبة عن هذه النخب “المستنخبة ” لا يفهمونها ولا يستطيعون قراءتها وتحليلها ، لكنهم يرتعبون ويرتجفون من تداعياتها عليهم وعلى تاريخهم وانتاجهم ومكانتهم ومكاسبهم ، لذلك تراهم الاوائل في المحاربة والاستخفاف بكل جديد ، بكل مبدع جديد ، بكل كاتب بكل رسام بكل مغن او منشد ، بكل رافض لهم و متمرد على عقولهم ….
هناك ثقافة جديدة. تسجمع نفسها تتكثف سحبها لتعلن العاصفة على ثقافة التزوير والإذعان.

ثقافة لا تأبه للكتب والمؤلفات الضخمة المملة والفن السمج والمسرح ثقيل الظل والتمثيل الفارغ والشعر الدائري الدبق، لا تأبه لوجوه المشاهير ومنصاتهم واجتماعاتهم وقصات شعرهم ولحاهم وسيجارهم وجوائزهم ، لا تأبه للغة الجميلة المُنمقة والرسومات المليئة بالألوان الغير المفهومة،لا تأبه للصحف والمقالات ومواقع التحليل والتأريخ والأرشفة، ولا تأبه لعدد المعجبين والمتابعين ، لا تأبه للعمق والتعمق والفهم التاريخي واللاتاريخي للزمن وللحدث،
في ثقافة جديدة…..قادمة
من الحواري البعيدة والشوارع التي بلا اسم والمناطق الصناعية والمزابل والأحراش والمزارع ، من الشوارع الضيقة المتسخة ، ومن بسطات الخضار ومحلات بيع السجائر والمياه الملوثة والخبز السميك القاسي، من المدارس المهمشة والطلاب “الفلتانين” بائعي المستقبل بقنينة عرق او لعبة قمار بالدين، من المساجد والمصاحف الفقيرة القديمة ، من التمرد والفرحة بامتلاك سلاح وحمله في العلن ، واطلاق الرصاص بلا خوف وبلا حساب، من االاستهزاء بالحكومة وازلامها وجنودها ودباباتها ، من الحنفيات الصدئة التي تمنحك الهواء النتن بلا ماء، من طبخة لعشرة اشخاص وصحن واحد وربطة خبز مع راس بصل ، من المظاهرات التي تجمع الفقراء للرقص والتضامن وتبادل الاغاني والموسيقى الشعبية ، من شعب يموت ليعبر عن فرحته بالحياة والحرية ، من كاسة شاي عالفحم ورجال يحملون البنادق للدفاع عن الوطن والعرض والشرف، من المقابر التي تفتح فمها للأبد، من الأساطير الشعبية التي تؤمن بالمعجزات وتقدس الشهداء، والمناطق التي ترى في القصف ميزة وتتفاخر بأثار الدمار ، من موبايل يحمل اغاني حب هابطة واغاني ثورة  مقاطع(سكس) ورسائل غرام وصورة للأخ الشهيد وصورة لصاحبه مع بندقية واخرى لحبيبته، من الفئات التي تمقت ما لا تفهمه، من مراهق يحتفظ بصور إليسا لغاية في نفسه وليس حباً بأغانيها، ومن شاب يحتفظ بكتب لا يقرأها، من الجنازات والواجب والعيب والحرام وال( ما بيصير) ، من الفرحة بالتصوير والظهور على الشاشة اللهفة البريئة ، من المشاوير في الحدائق العامة والبرية والسهل ، من مواسم التخزين والمونة والقطاف والحصاد، من الطرطيرات والبيك أب وعمال اليومية والاسبوعية، من رواتب الموظفين التي تنتهي قبل قدوم موعدها، من الأمية والجهل والتخلف والكبت والعنف المنزلي وسجون الاحداث والخوف من الغد، من الجيوب الفارغة المفلسة التي تخبئ الرضا ومن ومن ومن
.
ثقافة قادمة من قلوب الفقراء المتعبة ……. ستحكمنا حتماً عما قريب..!!!

.

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.