الصفحة الرئيسية / نصوص / رأي / غيّاث.. ليتك أكملت الرواية..

غيّاث.. ليتك أكملت الرواية..

هديل ممدوح

 

يقفزونَ فوق جفوني.. يرقصونَ .. و يبعثرونَ ألف سماءٍ منتصبةٍ فوق رموشي..
لا أدركُ الوجوهَ جميعها ، أحاولُ ان أصافحَهم.. فتفرُّ أصابعي تائهةً خلف جدرانِ
الخطيئةِ و الموت.. أستطيعُ أن أشمَّ رائحتهم.. لا داعي لأتعرّف على الجثة.. إنهم المطر..
كلّهم مطر..! عانقتني الرّائحة ، فرشتُ لها رئتيَّ لتستريحَ هناك ما أمكن.. و تقولَ لي لاهثةً:
_قبضونا.. متلبسين..!

لا أريد أن أتنفّس َ أو اسألَ لئلا تفرّ الرائحة من روحي… لكنّها أدركت اختناقي لتمدّني من جديد:
_ نعانقُ الحريّة…!

و انتفضت الرائحة كفرس .. جمحت .. قفزت حولي كطفلٍ مدلّل .. تمنّت لي ليلة سعيدة.. و ذهبت إلى مضيفٍ
جديد.. تركتني معلّقة أمام صورة .. محفورة على جدار القلب.. كيف لهذه الليلة أن تعبرني بسلام..؟ و وجهك بكامل زهوه و تمرده .. يعصف بكل الآلام الجاثية فوق أزهاري.. تلوح لك الحدائق تواقة للرقود على ترابك..
و أنا .. ليتني حجر قبرك.. أطمئن عليك متى شئت.. أعيد ترتيب أعضائك.. و أحيك لك كنزة صوفية.. لشتائنا القريب…
ليتهم خطّو على صدري تاريخ ميلادك و وقت الكارثة.. و اسمك الذي يفيض بنا جميعاً.. ليتني تلك الرخامة.. ليكتبوا : من هنا مرّ حاملاً تمرة.. و حقل قمح و أناشيد..
ليت أصابعك أكملت تلك الرواية البديعة..

غيّاث مطر… لو عرفك الشعر لاقترفك.. و تورّط فيك.. لو عرف الربيع أنّك ستؤجّلُهُ لاحتفظَ بك في
خدمته الإلزامية..
رحلتَ .. و تركتنا مترفين.. بغيمةٍ .. و حفنةِ حريّة أحكتها من روايةٍ أسطوريّة.. رحلت و تركت شعباً يصغرك شعراً ..
يصغرك تاريخاً..
لم أعرفكَ يوماً .. لكنّني أُدرك الآن لماذا ودّعوك بالأبيض..! و لماذا تختلج في نفسي تلك التساؤلات..و الأمنيات:
أتمنّى أن يكونَ هناك جنّة…!

 

عن هديل ممدوح

هديل ممدوح
مدوِّنة ومترجمة إلى اللغة الإنكليزية

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.