في أقبية فرع الميسات التابع للأمن السياسي في دمشق, استفاق عامر, الجلاد الذي أمضى نهاره منتشيا في تعذيب المعتقلين, في الساعة الثالثة صباحا على أثر كابوس عكّر سطوة عقده الدفينة, فتوجه إلى الزنازين المظلمة، بيده العصا التي لو تركها لفقد رجولته ومعنى وجوده في ذلك المكان المنسي وسط دمشق.
راح يطرق أبواب الزنازين ويفتح نوافذها التي لا تتسع إلا لمساحة محدودة من الرأس الواحدة تلو الأخرى, ويصرخ بصوت حيواني امتزج بصوت الطرق على الأبواب الحديدية
“الكل على الشبابيك ولا أخوات الـ …”.
نهض الجميع بفزع إلى نوافذ الزنازين بعد أن ظنوا أن عذابات ذلك اليوم الطويل قد انتهت, وأن بإمكانهم أن يرتاحوا لبضعة ساعات من التعذيب الجسدي والنفسي. لم يحسب أي منهم أن عقدة النقص لدى جلادهم ستكون سببا لعذاب آخر في تلك الليلة.
تجول عامر في الممر الذي يفصل صفين متقابلين من الزنازين وأخذ يسأل كل معتقل على حدة بصوت مرتفع لا تميز فيه سوى نبرة الحقد:
“ماذا كنت تدرس؟” وأتته الأجوبة متنوعة “طب, هندسة, تجارة واقتصاد, جغرافيا, حقوق, …”
رفع رأسه إلى الأعلى محدقا في فراغ أبله ومتجنبا النظر في عيون أي منّا وابتسامة غباء عريضة ارتسمت على وجهه وكأنه حينها قد ملك الكون بأسره, فهو الذي لا يكاد يعرف القراءة والكتابة يروع بعصاه كل هؤلاء ويتفنن بتعذيبهم وصراخهم طوال النهار, ثم يعود ليتسلى بآلامهم كلما شعر بصغره وبتفاهة وجوده خارج حدود ذلك المكان. شبك يديه خلف ظهره وأخذ يتبختر بينهم وقال:
“شايفين شهاداتكم كلها !! أمسح بيها طيزي”.
وقهقه بفجور ثم بدأ بإغلاق النوافذ من جديد. وقبل أن يغادر صاح متفاخرا
” ولا همسة ولا حيوانات”,
آملا بأن نزع تلك الصفة عن نفسه وإلصاقها بهم قد يساعده على النوم مجددا.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.