الصفحة الرئيسية / نصوص / رأي / بشرى سارّة – 
رأس أبي العلاء المعري يشم الهواء في حديقة الروضة

بشرى سارّة – 
رأس أبي العلاء المعري يشم الهواء في حديقة الروضة

نسرين طرابلسي
خاص بدحنون
 
 

 اعتبروا هذا المقال بمثابة نداء إلى كل الذين سبق واهتموا بتمثال أبي العلاء المعري وما تعرض له من استهداف أدى إلى قطع رأسه. حيث انتشر الخبر كالنار في الهشيم على صفحات الفيسبوك وفي المواقع الإخبارية بتاريخ 11 فبراير وقامت الدنيا حينها ويبدو أنها قعدت اليوم عن الموضوع، وربما تم نسيانه تماما وسط الأخبار التي لا تنقطع عن منجل الحرب الذي يحصد يوميا رؤوس البشر.

الخبر الجديد في الموضوع، أن التمثال الموجود في المعرة ليس النسخة الأصلية التي نحتها الفنان محمد قباوة من حجر والموجودة حتى الآن في حديقة الروضة بدمشق سليمة معافاة، بالإضافة على نسخة أخرى منه في المكتبة الوطنية بحلب. بالتأكيد مازال خبر طيران رأس تمثال المعري في المعرة محزناً، حتى وإن كان نسخة مقلدة من مادة سهلة العطب جوفاء من الداخل. ولكن ابتغاء للدقة وحتى نتعلم أن نصوب الحقيقة ولا نخجل إذا نشرنا خبراً واستنكرناه وأدناه ثم اتضح أن فيه بعض المغالطات، يجب أن نعيد نشر المعطيات الجديدة بنفس الجدية والقوة والحماس.

التنبيه للموضوع جاء على شكل تعليق فيسبوكي غاضب على صفحة الصحفي السوري محمد سامي الكيال، وهو خريج كلية الآداب قسم التاريخ. ينتقد حسب تعبيره حالة السعار الإعلامي وضحالة الثقافة التي أدت إلى نشر خبر قطع رأس التمثال مرتبطاً باسم النحات السوري فتحي محمد قباوة بلا تأكيد أو يقين، وفيه يقول:
“تمثال فتحي محمد موجود بالشام، بالتحديد بحي الروضة بحديقة اسما ابو العلاء المعري بقلب ساحة الروضة، والتمثال بعدو موجود وعشرات الأطفال بيتعربشوا عليه لحد هلأ”.
ويرفق الكيال فيديو لبرنامج “صدى المواطنة” الذي يعرض لوثائقي عن التمثال يشير بإصبع الاتهام، كما فعل كل من وضع الخبر واستنكره سواء على الصعيد الشعبي الفيسبوكي أو الإعلامي، بشكل أكيد ويقيني إلا أن عقلية ظلامية متشددة من المسلحين هي من قامت بهذا الفعل الشنيع!
هنا لا بد من الإشارة إلى عدة أمور:

1- من المفيد الاطلاع على فيديو صدى المواطنة لملاحظة الفروق الجوهرية بين التمثالين الأصلي والنسخة، فالأصلي منحوت من الحجر ولونه برونزي بينما يبدو الثاني أشبه بهيكل مجوف بلون الفخار.

2- من المفيد جدا الاطلاع على فيديو المجلس العسكري للجيش الحر والذي ينفي فيه أي ضلوع له في عملية استهداف التمثال ويقول بأن قذيفة من القذائف التي يمطر النظام بها المنطقة يوميا هي التي طارت برأسه، ويناشد المجتمع الدولي الاهتمام برؤوس البشر المقطوعة بنفس الطريقة.

3- من المفيد جدا جدا عمل جولة غوغلية (في غوغل) لنعرف كيف يتم إعلاميا تناقل فكرة وتثبيتها في الرؤوس، وتوجيه الرأي العام إليها من دون الالتفات قيد أنملة إلى احتمال أن يكون فعلا هذا التمثال ضحية لقذيفة عشوائية من تلك التي يمطر بها جيش النظام رؤوس الأهالي في المدن والبلدات السورية. لكن من الأسهل دوما الانجراف وراء الفرقعة الإعلامية والزوبعة الشعبية عوضا عن البحث والتنقيب وراء الحقيقة. لذا سأستعرض على سبيل المثال لا الحصر بعض العناوين من آلاف الصفحات في غوغل لتوضيح المقصود:
(جبهة النصرة تقطع رأس المعري بتهمة الزندقة). سيريان تلغراف
(بعد قتلهم البشر، إرهابيو جبهة النصرة يقطعون رأس تمثال المعري) سانا
(الجهاديون يقطعون رأس تمثال الشاعر السوري أبو العلاء المعري) فرانس 24
(جبهة النصرة تنحر أبو العلاء المعري) أخبار بووم
( المغول الجدد من جبهة النصرة الإسلامية يجزون رأس أبو العلاء المعري.. تكبيييير) الحوار المتمدن

4- من المفيد جدا جدا جدا استحضار ذكرى وصورة الطفلة ذات الفستان الأزرق مقطوعة الرأس بتاريخ 17/9/2012، وصورة الطفل حمزة بكور بوجهه المنسوف بتاريخ 6/2/2012، ودمار مدينتي حمص وحماه ودير الزور وتدمر والعديد من المناطق الأثرية المسجلة على اللائحة العالمية لليونيسكو، لنعرف من الذي يستهدف الأرواح والمدن والأوابد في سوريا منذ بداية الثورة السورية وحتى اللحظة.

هذا المقال ليس للدفاع عن جبهة النصرة بكل تأكيد ولا لتوجيه الاتهام إلى النظام في هذا الأمر، فأنا لم أر شيئا بأم عيني وليس هناك أي جهة ذات مصداقية أكيدة لأتبع خبرها مغمضة العينين. فالطرفان مدانان بشدة في عشوائية صراعهما وعدم اهتمامهما بما يُدمَّر في الطريق. ولكنني أكتب هذا المقال لإدانة عملية تناقل الخبر والقص واللصق العشوائيين للأخبار، وحمى المشاركة في التوجيه إلى الجانب المثير في خبر ما، والتسرع في اللحاق بركب الأولوية في النشر وتسجيل المواقف، مقابل الامتناع عن نشر نفيه أو على الأقل التجاهل الكلي لنشر -احتمال عدم صحته- بذات القوة والشجاعة والحماس. ولا أعلم لمصلحة أي جهة يتم الأمر على هذه الصورة!!

لطالما اعتبرت عن قناعة بأن عملية السبق الصحفي تتعارض بشدة مع الحقيقة والإبداع. فالإبداع يتطلب وقتا وكذا البحث عن الحقيقة. ونحن السوريون معنيون اليوم بشدة بمسألة أمانة البحث عن الحقيقة، فليست ثقافتنا وحضارتنا وحدها المهددة، بل وجودنا بأكمله مهدد في وسط هذه الجائحة من الكذب والتلفيق والاستماتة في سحب البساط وغياب العقل والمنطق.

عن نسرين طرابلسي

نسرين طرابلسي
كاتبة وإعلامية سورية. صدر لها المجموعات القصصية: في انتظار أسطورة، وأدرك شهرزاد الملل، بروفة رقص أخيرة. وفي النثر: حديث الخرساء

3 تعليقات

  1. كيف تمكنت من الجمع بين عبقرية كأبي العلاء المعري وبين مجرم قتل مئات الآلاف من شعبه؟ ماهي العلاقة بينهما أيها المواطن ؟ وماذا تعرف عن المعري؟ هل قرأته؟ لاأعتقد ذلك. فلو أنك عرفت من هو المعري لما وضعته على نفس سوية القتلة والمجرمين.

  2. أهم ما في هذه المادة العقل المنظم.
    لو أن هناك تفكير منطقي بكل المواقف .. لكنا بألف خير ..
    لكل من لم يبع عقله .أو مازال قادرا على استخدامه ألف تحية .
    شكرا نسرين.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.