شام

أصالة قسّام
مشاركات

 

 

إنها الشام الّتي دفنت صبحَها على أطلالِ الياسمين, وتكلّلَ الآسُ بها كآلهة..

العذاراءُ التي ضاجعَها الموتُ ألفَ مرّة, ولا تزال..

الشام التي ما غفت ,إلا و أحصتْ أبناءَها بعددِ أضواءِ قاسيون..

شامٌ غزَلتْها الحكايا بحاراتٍ عتيقة خبّأُتْ ألفَ قبلةٍ وبعد..

شامٌ بشالٍ أمويّ طرّزَتهُ الحمائم ,على هامشِ مئذنة, و أسواقٌ حفظَتْ نداءاتَ باعةٍ , وجدالَ نسوة..

الشامُ تعرفُ غريبَها ,وتلبسُهُ ابتسامةً ,ووداعة

تعرفُ أبناءَها ,وتُمسِكُ بأنوفهم إن ضلّوا, لن تتوهَ عنها طالما سترجع لأنفاسِ بزوريّةٍ سكنتْ فيك..

الشامُ تعرفُ عدوَّها ,ولا تكترث بظلٍّ لم يتّكِئ على أبوابها ,إذ بكلّ صباحٍ لها شمسٌ تنتظر..

الشامُ صبيّةٌ أغوتْ الأنبياء ,و نذرَتْ شعرها لصحنِ يحيى ,وكتبتْ لعشّاقها أجراسَ صلاة

همَسَتْ لألحانِ زفةٍ دمشقيّة ,لتطرّزَها خشبٌ مصدّفٌ وأيقونات ..

قبّلَتْها خُطا المارّين ,لترسمَ فيها حنينَ بردى ,لحورياتٍ تَعمّدنَ بأحضانِه..

الشامُ صمتٌ بخيل ,لم يخطف النومُ يوماً شوارعها ,تغلي كصيفٍ أبيض النوايا ,بحضرةِ سرّ ولادة..

شامٌ قصيدة ,وسواها كلمات .أغنيةٌ ,وموّالُ قصب, ودعاءٌ يصِلُنا بالرّب ,وما بعده..

علّمَتْنا الكونَ بحجمِ وعد ,واتّساع نداء ,نحتويهِ بنافذةٍ عبرَهَا..

شغلَتْنَا بالتّأويل ,قالت :السّماءُ حضنُ المساكين لما تضيق بهم الأرض,و الألمُ نانِرج, والسوءُ تُبعِدُهُ خرزةٌ زرقاء..

قالت :البردُ غربة, والغربة تسطّرُها المسافات, والقناعةُ تينٌ مجفّف ,ورغيف ,والحمّى تُشفى بآية ..

جَرَحَنا التّأويلُ لمّا شحَذْنا الأملَ ,وعوّلنا على الغدِ الياسمين ,وظنَنّا الأشجارَ لن تُقطع, لمّا حفرْنا أسماءَنَا بجذورِها..

جرَحَنا الهديل ,لمّا كبّلَتْهُ الأحلامُ المسفوحةُ كقربان ,والسّماءُ لم تعُدْ لنا , لمّا غَزَتها الغربان ..

شامي تغرّبنا ,والمسافةُ طَوَتْ دربَ الرّجوع ,والنّانرجُ مرٌّ مرّ.. والأزرقُ هناك ..بأرواحِ من تعِبوا ,ورفرفوا ,على سبيلِ الاستعارة..

الشامُ جرحٌ يخيطُنا ,ليلتئم ,وجعٌ يُضمِرُنا بحناياه..

شامي.. لم نعُدْ نحنُ ما علّمتِنَا ,والظّلُّ الّذي اتّكأَ على أبوابكِ, هدَمَهَا ..

شامي هرِمنا .. فلا تهرَمِي..

 

 

 

الصورة: ماركوس ليون

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

تعليق واحد

  1. فادي الصحناوي

    رصعت بحرفك المبدع خد قاسيون بشامات اضائت درب السائرين الى الهدى

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.