“كنتُ طفلاً حين رحلت فرنسا عن بلادنا. في ذلك الربيع لم نزرع حقلنا بالفول. أسير في العصرية مع المرحومة أمي.
لا أحد على الطريق. يلوح على يسارنا بساط طويل من حقول فولٍ تعود لأقاربنا. تقول أمي: اذهب واقطف…
أركضُ إلى وعد الطَّعم الطريّ، أهمس لنفسي: سأقول قبل اللقمة الأولى: خير السنة ورزق جديد….
بالكاد أقطف قرنين قبل أن يهدر صوتها: ارمِ ما في يديك وتعال.
أرمي ما في يدي وأجيء ليلاقيني كفها العنيف. ظالمةٌ أمي. أنا وحيدها تضربني وتصيح بي: منذ متى نأكل مما ليس لنا حتى
وإن كنتُ أنا التي طلبت منك؟! ”
تربض الحكاية في دمي يا أبي… فضّةُ الحنين تأخذني إليك يا شيخ حسين… يا مَن لم تنسَ كيف اختبرتك الوالدة لتعلّمك: لا تسرق. أنت لم تبرأ من الحكاية، تظل تعيدها. ولم نبرأ نحن ـ وأنت تحفرها في رؤوسنا الصغيرة ـ من خوفنا من الأكل الحرام… نرقب مع كل إعادة وقع الكف على خدك وانتحار الحلم الأخضر الطريّ هناك على أرض الحقل حين لا يكون الحقل حقلنا، وإن لن يضير به نقصان قرنين من خير موسمه.
19/3/2013