الصفحة الرئيسية / نصوص / شعر / في الطريق إلى البحر – جمال داود

في الطريق إلى البحر – جمال داود

غياث مطر قبل وفاته
أحضر مزهرية و بعض الماء و الكثير من الوطن
و غمس فيها وردة من روحه
و قدمها لذاك الضابط الذي يتمركز عند الحاجز على مدخل حارته المحتله
رد عليه الضابط بحذاء…و قلّاعة الحناجر

………

غياث مطر عند ولادته
عند ولادته تفجر الكون ضحكات
عند ولادته بلغ الرشد , و تقلد منصبًا , أصبح رجلاً صاحب مكانة و نفوذ
كان حكيمًا عند ولادته….كان صبيًا على هيئة واعظ
قدم النصح و منح السلوان لوطن بأكمله
اختبر الحزن قبل الولادة و التزم الصمت لحظة المخاض…كرجل
كان حازمًا…لم يكن على عجل من أمره
كان قد صرع وحش الانتقام الذي باغته و لف حول رقبته حبل المشيمة
عند ولادته….اتخذ القرار عنا….بالحياة…..

غياث مطر الأب
شاب في عمر القصائد الطرية و الألحان التي لم تعزف بعد
ولد على مقعد السرفيس فجأة
و فجأة دفع فاتورة قدومه إلى الحياة حرًا دون أكبال
دفع ثمن لحيته و خصيتيه و نخوته
و لسانه الحرّ
بينما كان جميع الذكور ممن حوله يولدون و السلال حول ألسنتهم
ماذنبه إن كان اللحن أقوى في جمجمته
ماذنبه إن كانت الحرية أمه و الوطن والده
و في غفلة عنا و عن الجنود الذين كبلوه و ركلوه بأحذيتهم الرخيصة
المتشققة في الداخل و عند الجوانب
المملوءة بالملح المسموم و ثأر القبائل
المدببة بالغل و الحديد الصدئ
في غفلة عن الفواتير و الأمراض و الجلطات و القتلة المأجورين و اتباع الحاكم المجردين من أسمائهم و خانات ولادتهم
في غفلة عن شعائر الحانوتية و “نوحة” صانعة الأكفان
رحل فينا المطر…لم يكن هناك رجال يومها

……………..

غياث مطر الابن
بعد أن اقتلعت العاصفة أوتاد الخوف و الجبال سقطت مغشية عند جثة أول سوري مات تحت التعذيب…ولد فينا المطر
و أصبح الطفل كاتبًا عند ولادته و منح سوريا اسمًا لايدركه إلاه و أبناء جيله القادم
و أعطى الورود اسمًا جديدًا و كميرا “الموبايل” اسمًا
و أعطى الحرية اسمًا و نشيده الوطني اسمًا و علمه اسمًا
و أعطى والده اسمًا سيخبرنا بتلك الأسماء لاحقًا…عندما يريد هو النطق

……..

حمص
موتكِ هو مجرد نكتة أخرى
و مهما حاولوا….لن يقتلوا فينا الضحكات
“حمص…أنتِ المدينة التي لاتكبر التي لاتهرم…المدينة التي “تتولدن
أنتِ المدينة المراهقة أبدًا….أعيدي إلى الشاعر وشاح القصيدة و قلم “الروج” ليكتبِ عنكِ
“أنتِ المدينة التي تدندن التي “تناغش” الكون..تقول لله و لسوريا “ماما بابا
أنتِ المدينة المفضلة عند كل الآلهة…أنتِ قبلة المزاح
هناك يشربون الخمر و يقيمون القداس و هنا تقام صلاة و يشربون الكراوية
أنتِ الكرم الذي استحال عرق الريان…أنتِ صوت المآذن: الله أكبر
أنتِ المولودة من ضلع الشهيد
أنتِ خطيبة غياث

……..

يا أبتِ قد كبرت عامًا و نطقت…ح ر ي ة
يا أبتِ في عامي الثاني أمتطي الريح و الفراشات و أحفظ أغنيات وصفي المعصراني
يا أبتِ في عامي الثالث تلاحقني كل الغيمات…و تتغزل بي الأيام لأطيل المكوث بين أحضانها..و ترسل المعجبات لي على صفحة الفيسبوك
poke
يا أبتِ في عامي التاسع مشيت في شارعك و انا أرتدي قميص سوبرمان و أتحدث لأصدقائي بفخر عن بطولتك و تضحيتك في سبيل هذا الوطن
يا أبتِ في عامي العاشر قرأت اسمك في درس القراءة الذي هو اسمي
يا أبتِ في عامي الثلاثين أصبحت رائد فضاء
هناك فوق الكوكب الذي أسميته قاسيون
وجدت صورتك
التي هي صورتي

………..

حمص – استراحة البحر
سامحيني حمص..لأني لم أتوقف فيكِ إلا للاستراحة و تناول سندويشة الجبنة و الشاي
سامحيني أنا لا أعرف عنكِ الكثير…أعرف أنكِ تقعين في الطريق مابين دمشق و البحر
و البحر أيضًا يمر منكِ حمص للاستراحة من “دوشة” الأمواج و صراع السمك على الحياة
أعرف أنكِ الاستراحة…من المجاملات السورية المزعجة
“قال في واحد حمصي….”
أعرف أن أهلكِ يضعون الضمة في أولكِ و الحب عند النهايات
“عرفت مؤخرًا أسماء بعض الشوارع من أخبار الثورة”
أعرف أن صديقتي المقربة شذا تسكن في حمص…لكني لم أقابلهما بعد
أعرف فتحة حمص من درس الجغرافية و قبر خالد بن الوليد من درس التاريخ و أميزك من الضباب الذي تستقبلين به المسافرين من طريق حمص الشام
أعرف أنكِ بلد النكت و حلاوة الجبن و الفتيات السوريات الجميلات
“أعرف أنكِ الطيبة “في زمان فيه طيبة القلب بتتعيب
أعرف أنكِ تسامحين..سامحيهم حمص هم أبناؤكِ…هم دائمًا…لايدرون مايفعلون

………………….

يريدون أن تولد مشوه الرأي
يريدون سرقة ماء وجهك و صوتك و كرسيك الجامعي
يريدون أن تكون مجرد رقم آخر في سجلاتهم
أنا رفضت التوريث
لذلك لن أورثك قلبي الذي قتلوه منذ ولادتي
ولاحياتنا البائسة في داريا
لا أريد توريثك عقدي الطفولية و مراهقتي المكبوتة و جرح كرامتي كعربي
لا أريد توريثك هموم هذا البيت و شقاء الأسر السورية المتواضعة
لا أريد توريثك الزحمة ولا الزمامير التي تصدح في داخلي
أريد لك أن تولد كإنسان
أن تدرس وتتعلم و تأكل…كإنسان و تلبس كإنسان و تنام في بيت لك في المستقبل..”و تشري سيارة حديثة “موديل سنتا…
و مدفأة و مكيف و سخان ماء و ستائر فاخرة للصالون و طقم كنب جديد كل فترة
أريدك أن تحلم كإنسان…أن تسافر كإنسان
أن تصرخ أن تعترض أن تغني أن تكتب أن تقرأ أن تؤمن بأخيك الإنسان
أريد لك أن تكبر و أن تفخر بأسمائنا العربية
احمل عني الاسم… و الهوية و الرغبة في بناء سورية
أرغب أن تكون رئيس الجمهورية في يوم ما من الأيام
غياث مطر الأب

عن جمال داود

جمال داود
شاعر ومصور فوتوغرافي سوري مقيم بماليزيا. حاصل على شهادة البكالوريوس في الاخراج الرقمي