الصفحة الرئيسية / نصوص / نثريات / إلى ولدي الذي لن يأتِ

إلى ولدي الذي لن يأتِ

عماد الأحمد
 

نعم.. نحن من قرية صغيرة كمد قمح
(لستُ من ضيعة كبيرة يا تمام كما كنتُ أدّعي)
ممطوطة كعلكة خضراء
بسيطة كصدر الإسلام
اسمها مخيف كمفرقها في الليل
“الضبعة”
عاصيها المهمل يتابع صناعة الدوامات
ليتناهى إلى دمعة خجولة ..

إلى درب تبانة مائي في ضيعٍ أخرى

لدينا مطار حربي يكسر الصوت فوقنا عشر مرات في اليوم
لنغني لابراهيم هنانو وعبد الناصر لسبب لا نعرفه
ولعمي أبو وسيم ولمحمد فارس (الطيارين الوحيدين اللذين نعرفهم) كلما أقلعت طائرة

جدتي فاطمة صوتها مكسور/ هبط البرميل على شاهدة قبرها فكسر حنجرتها

بقي من سكانها جدي وصديقه أبو عبدو بعد أن هرب النمل والجراد

يجربون وصفة سقاية الزرع بالبراميل

“هناء” حبيبتي القديمة وعينيها الزرقاوين
(لو تزوجتهما منذ زمن بعيد لكانت عيناك زرقاوين الآن)

استشهد خالي ماهر
واستشهد عبد الرحمن ونجد ورضا وزياد وماتت أم حازم.. وفوزية في لبنان
احترقت ملابس “عمشة”
ماتت مادلين وطفلتها حنين وابنها مصطفى ..وبقي محمد مذهولاً لا يستطيع عدّهم
واستشهد من آل بكار والقيسي والحولاني وبوظان والعٌمَر الكثير والكثير

ضربت ست سكاكين جسد صديق على قيد الحياة
ودُكّت مئذنة الجامع الذي لم يجمع تبرعات كثيرة في يوم ما للأسف

إذا كنت من الضبعة
إما أن تكون “أبو البطاطا” أو تكون الأول على صفك
والكثير الكثير من أبنائها البؤساء قد جمعوا المجد من طرفيه

مقدار ما حصدته في هذه الأرض 15 دونم قمح
كنت أغني في ليلة قمراء وأمي المسكينة “العايشة” في حمص
حصدتهم بكفيها لوحدها

كنت وخالي نقرض الشعر ونغني وندخن
وأمي تحصد
لا زلتُ حتى هذه اللحظة يا أماه
بعد ثمانية أختام بين أركان الأرض الأربعة على جواز سفري
أدخن وأغني وتحصدين..
أدخن وأغني …وتحصدين …وتحصدين ..وتحصدين

عن عماد الأحمد

عماد الأحمد
شاعر سوري، من مواليد 1984 في محافظة حمص المهدمة، مقيم في الإسكندرية.