– نعم لدينا من الأحزان ما يكفي لأكثر من 500 عام قادمة، يبكينا موت إخوتنا في العراق وفلسطين ولبنان، ولكن ليس لدينا الوقت والحبر الكافيان للكتابة عن أحد، فنحن لم ننته من كتابة نعوتنا بعد. مقبرتنا الجماعية لا تنتهي في هذا العالم، لم نصح من كابوسنا بعد لنأتي بالماء لأحد.
– أعتقد أنه منذ سن الثانية لم يعد الحلم يتسرب إلى ليالي الأنس لي في حمص والمدن التي نمت فيها، الكوابيس، والكوابيس المحمودة منها على وجه التحديد هي ما أراه كل ليلة، ولو نمت على أفخم الأسرة، لا أرى نفسي إلا جثة هامدة على سرير عسكري من الحديد.
في السنوات العشر الأخيرة اشتدت كوابيسي حتى بت أراها ليلا وظهرا وأحيانا عندما تغفو عيني قليلا على الإشارات المجنونة في أحد شوارع الدوحة.
نسيت أن أقول لكم، إن عيني تغفوان مئات المرات في اليوم الواحد، في إحدى المرات غفوت وأنا على باب أحد الأصدقاء لأنه تأخر في فتحه لي، المرة الأخيرة غبت عن هذه الدنيا، وأنا أحاول المشي بين المنزل والحديقة المجاورة له، حينذاك أيقظني الحر الشديد طالبا مني الانتحار في مكان آخر، فهذا الكابوس الطويل مخصص للصاحين.
– وقد رأيت فيما يرى النائم أن المئذنة حين عانقت الصليب وبعد إخراجها تلفزيونيا لملايين المرات، ملت، وهربت عمامة الشيخ من قلنسوة الخوري قائلة بالصوت العالي “فلقتوا سماواتنا”، فكان ما كان من “نون وشين وكاف”.
– سألت أبي في الكابوس الأخير – وللعلم كان كابوسا أبيض كذلك – لماذا أنت هنا؟ لماذا رحلت ولم تنتظرني، فلم يجب، والدي كان قليل الكلام في الحياة فكيف في الموت، حاولت سحبه إلى ضوء النهار فلم أنجح، بذلت جهدا كبيرا لإقناعه أن “برتية طاولة” واحدة الآن مع أبي سميح تساوي كل ما رأيته وما ستراه فوق في لدن الرب ، فقال لي أبي سميح معي في ملكوت السماوات، الكابوس انتهى بفشل جميع محاولاتي لإعادة أبي إلى الحياة، بل كاد ينجح بسحبي إليه.
– نمت مرات ومرات في القوارب أثناء الرحلات … على وهم أن أرى حلما يشبه أحلام مصطفى قمر…، ولكن صحيت بنكزة قوية من الصيادين السمر (قبل نكزة من صيادي الفيسبوك) أصحاب الشبكات المفتوحة على البحر.
– بقي كابوس اتهامي بقتل رفيق الحريري ملازما لي حتى جاء الكابوس الأكبر وهو بقائي في الخدمة الإلزامية حتى الآن، وقبلهما “كوبست” بالأميركان يفتشون بيتنا بحثا عن الأسلحة الذرية، وأن بغداد تسقط في أرض دارنا العربية، وغزة مشبوحة على سلمنا.
– قبل كتابة هذه الخواطر الكابوسية، رأيت الشيطان في كابوس صغير “ميني كابوس” طبعا ككل شياطين برامج الأطفال كان يضحك بشدة وأنا كنت على هيئة حمام الهزاز الأبيض أتكلم بأسى بأنني سأهرب من شركه.
سألت نفسي وأنا في الحلم، لماذا يظهر الشيطان دائما وهو يقهقه من الضحك، والخير يبكي، مع أن الخير هو المنتصر في النهاية كأفلام فريد شوقي ورشدي أباظة، كنت واقفا على سور كنيسة الخوري أنطون -؟ هكذا كان اسمها قبل عشرات السنين – قلت للشيطان سأهرب منك من فتحات كنيستنا، أجابني بالضحك الطويل، استيقظت وخرجت إلى العمل والأخبار، أما ضحكه فلم يتوقف حتى الآن، أحاول الضحك بذات الشدة فيزداد ضحكه علي، أحاول إلهاءه بسيجارة حمراء طويلة فيدخنها وهو يضحك، أضع له منوما بفنجان القهوة التركي فينام مبتسما، أحكي له النكات الأشد غلاظة فيضحك لسماكتها، ما دواء شيطان ضاحك أيها القوم؟ شيطان لا يبكي ولا يرى الكوابيس مثلي؟ رغم موت الآلاف وانهيار المدن من حوله. ما دواء شيطان لا يشعر سوى بحاجته للضحك؟
الصورة: حلم – غويا
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.