معاذ الصباغ
الكثير من الجثث… الكثير من الموت، ولكن حتما انتم تعرفون ذلك، كل تلك الأرقام على شاشاتكم.. الأفلام على اليوتيوب.. الوجوه في صفحات الجرائد.. بوسترات الحائط.. حكايا على تويتر.. وفي المجلات.. جثث بأجساد كاملة مع بقعة حمراء في مكان ما وعيون نائمة أو حتى دون العلامة الفارقة، فقط قليل من الزبد الأبيض مع وجه اصفر مزرق وعيون مفتوحه، هناك أيضا جثث بلا رؤوس، ويمكن ان تكون الجثة عبارة عن رأس فقط .. أما باقي الجسد فقد اختفى، هي حتما جثة حظها سيء هناك جثة بذراع ايمن وخاتم من الفضة في خنصرها مع اربع اصابع وقدمين كاملتين، أو جثه احتفظت فقط بكلتا ذراعيها رغبة منها في عناق مؤجل. جثة رجل على رصيف مع بعض الأكياس والكثير من الفوضى وأخرى لإمرأة كانت تستحم، جثة لطفل كان يركض، وآخرى لجنين كان يختبئ، جثة منتفخة وآخرى مفرزة والكثير منها محروق. جثة جائعة وآخرى هي خط أحمر، جثة قبيحة كما لو أنها في احدى لوحات تشيلي وأخرى سريالية الطابع تليق بمقام سيلفادور دالي، جثة ستربح جائزة البوكر، وأخرى ربحت سبقا صحفيا، وثالثة هي افضل صورة لهدا العام وربما سيكون الأوسكار من نصيب جثث الغوطة الشرقيه، جثث تكفي لأحتفالات الهالوين وافلام هوليوود وديكورات قطار الموت والكاملة منها لنا ان نستخدمها كفزاعات لإخافة الطيور الغبية جثة تعقد المؤتمرات وأخرى تعقد الحلول… جثث تتقاسمها العواصم وتنهشها الكلاب في الطرقات..جثث لأحياء تحرس جثث من ماتوا .. وأخرى تحاصر مدنا بمن فيها ..
هي سوريا البضاعة الخام، الجثة الطازجه، لك ان تكتبها قصيدة رثاء او غزل، لك ان ترسمها على جدران احد قلاعها، لك ان تعبدها كما يليق بآلهه او ان تستدرجها في المنام لتهمس في أذنها كما يفعل عاشقان، كما لك ايضا ان تبصق في وجهها، ان تنكحها على الملأ لينتشي الأحياء بصراخها، لك ان تغرس حديدك في لحمها الطري، لك ان ترمي القذراة على رأسها، لك ان تكبلها بالسلاسل وتبيعها في سوق العبيد لك ان تفعل ماتشاء فالحراس قد ناموا هي تركض الآن حافية في شوارعها قدماها زرقاوتان كسماء غير راضية. . دمها احمر كتوتها الشامي .. الكدمات خضراء كزيتون ادلب ..جسمها أصفر كقمح الشمال … شاط كحلها الأسود سواد أحجار السويداء فوق وجهها النحيف… دمعها مالح ملوحة هدا البحر.. تركض هاربة على الطريق الذي طويلا اختالت فيه.. على طريق الحرير من الصين إلى أنطاكية.
رائع