خرافة العود الأبدي التي تصور أن كل شيئ سيتكرر ذات يوم كما في السابق تقاطعت بخفتها هذا العام مع ثقل أحاديث النهايات. نهاية العالم، نهاية السرديات الكبيرة، نهاية الحداثة ونهاية الدكتاتوريات العربية. أحاديث النهايات التي أتت على الجميع دون أن يطال الفلسطيني من الحب جانب فكبش الفداء ما زال حي يرزق والذكريات حية تلسع. فللعالم قاموس يردد كل ما هو “كل ما هو آت آت” وللفلسطيني قاموس يصرخ بأن “كل ما هو آت قد أتى” فذاكرة الجيل يكتنفها غموض اللجوء عام 1948 الى أن حلت على اليرموك ليلة ليلاء من كانون عام 2012.
شاء القدر أن أملأ فراغ الأيام برواية لميلان كونديرا تحمل عنوانا خالف أثرها في نفسي.
في سطورها الأولى خيل لي أن نيتشه فيلسوف بليد لا يحتمل التفكير باللانهاية فقطع طريق الخيال بنظرية العود الأبدي وأنا تابعت الغوص في كائن لا تحتمل خفته الى أن قطع خلوتي بروايتي جريمة جديدة من جرائم كائن لا تحتمل خسته “اليرموك تحت النار” والخبر على شاشة يرأسها بوق عربي، أي أن الخبر الحقيقي أخطر مما ورد، تركت الكتب الى الأسفار الإلكترونية علني أصيب ما يخفف وطأة الخبر فكان لي النقيض، صورة النكبة بالألوان وبوجوه مألوفة “اليرموك يشهد حركة نزوح كبيرة” وأنباء عن سقوط فصيل فلسطيني تكلم بلسان التيس وعن سيطرة الثوارعلى اليرموك. خبر من هنا وبيان من هناك، يقطع الشك باليقين فيديوهات عفوية تجسد حقيقة ما جرى. بعد الخوض في أسفاري المؤمن بها وسعيا خلف القليل من السخرية في ثنايا ذات الخبر، جلت على أخبار الأبواق التي تغربل و تهلل للكائنات مموه الرداء والأشباح السوداء، ومن لف لفهم من الفلسطينيين عشاق التجذيف عكس التيار فاستشعرت كثيرا من الإحباط واليأس عندهم ليقطع المسرحية الإعلامية الرسمية اتصال مع إعلامي فلسطيني من ذاك الفصيل بشارب كث يتتعتع .. ثم يغادر دون أثر. لا بل مسكني تاريخه من تلابيبي ليخرجني من غمرة النشوة ليعيد لي خيبة الزمان الذي مر على الفلسطينيين من نكبة 1948 الى نزوح 2012 وما بينهما بينهما في الكويت، لبنان، ليبيا، العراق وكل دول الشتات.
ألقيت بنفسي على المخدة واضعا رأسي بين راحتي، وحجار رأسي تحدق بروايتي التي أخذت من فراشي ملاذا لها، وحادثة اليرموك ترن في دماغي مداعبة الرجولة فيي لتخرخ مني وأبناء جيلي الملامة على الأجداد كيف غادروا البلاد.
العود الأبدي حقيقة أم سراب، بصوت خافت يصرخ نيتشه لحنا بين ما أتى وما هو آت .سليل جريمة نادى بإصلاح البلاد فحرقها فإذا بنيرون قد فعلها قبله، مجزرة عبد القادر الحسيني نسجت بذات السنانير على غرار تل يكسوه الزعتر و موجات اللجوء والنزوح تدور على مسار اللإنسانية وكبش الفداء واحد لا يتكرر.
الأرض كروية، والبقاء للأكثر وكل الأديان السماوية والماركسية وجميع الأسفار الورقية والالكترونية تعيدني دوما الى نقطة الإنطلاق مع قليل من الحداثة والإبداع مما يؤكد أن نيتشه من أصول فلسطينية وشرب من ماء سوريا.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.