دحنون | Dahnon منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس 
بالقلم الأزرق الذي عثر عليه في الطريق، يُنفق الصغير وقته الكثير في الرسم على كرتونةٍ صغيرةٍ خشنة مستطيلة الشكل. يرسم مربعاً يشغل نصفها الأعلى، وتحته دوائر صغيرةٌ متناسقة. وبينما هو يلوّن حواف دوائره بالأزرق الوحيد، يكون خياله يقتفي ألواناً لا تحصى لتلك الأجهزة البديعة التي رآها في أيادي العابرين.
هم يعبرون، وهي تبقى لتشاغب في رأسه الصغير. يجول خياله بينها، ويملأ دوائره الملونة على واجهة كرتونته بنسخة طبق الأصل من الرموز والأرقام على واجهاتها.
بأناةٍ، لا تشبه نزق الصبيان، يدير ظهره لأمه المشغولة بإرضاع صغيرتها وبإلهاء باقي الصغيرات عن الشغب، ويبدأ يثقّب المربّع والدوائر بإبرةٍ سيرنكٍ تحتفظ بها أمُّه كإرثٍ اخترق أوردة زوجها بحنان في ايامه الأخيرة، محاولاً، عبثاً، أن يبقيه حيّاً.
الآن، ومن حافة موبايله الذي اكتمل يعلّق الصغير خيطاً مزدوجاً يسري به إلى الجدار حيث يفصل نهايتيه ليدخلهما ضمن هيكلٍ كان صمّمه مطابقاً لشكل الإبريز، وألصقه على الجدار. يجلس منتظراً أن يكتمل شحن الموبايل التام الأوصاف، وأن تأتي أمه بالعشاء.
تأخر العشاء كثيراً. في الحقيقة لن يأتي العشاء، سيكون الليل حلّ منذ زمنٍ، ولن تأتي الكهرباء أيضاً، ولن تكف أخته الصغيرة عن البكاء، ولن يشغله بكاؤها عن خطف الولاعة من على الرف الفارغ في (البيت) الفارغ إلا من فرشاتٍ ممدودةٍ بوهنٍ على الأرض، وبطانية رقيقةٍ سيندسّ الصغير تحتها، وسيشغّل الضوء (الليزري) في ذيل الولاعة، ويمرّر موبايله في ذهابٍ وإياب فوق حزمة ضوئها الأزرق.
حين يتماوج الضوء من بين الثقوب، يقرأ اسم رفيقه وسط إطار المربع. رفيقه في بيته القديم في المخيم يتصل به، وعليه أن يجيب. يفتح الخطّ، كما كان والده يفعل، ويحكي مع رفيقه طويلاً، كما كانا يتحادثان في الحارة القديمة قبل تلك القذيفة، ويتفقان أن يلتقيا غداً ليأكلا معاً سندويش مرتديلا طلياني، مع علبة كولا تنك، بعدها الشيبس والبوظة، واللعب بالمراجيح…
سينام على هدهدة المرجوحة، وعيناه تحاولان رسم الرقائق الزهرية المنقطة بالأبيض، وفمه يمضغ طلاوة الدسم اللذيذ والساخن، وأذناه تترنمان بخشخشة فقاعات الكولا من فم العلبة التنك الأفخم من العلب البلاستيكية…
هم يعبرون، وهي تبقى لتشاغب في رأسه الصغير. يجول خياله بينها، ويملأ دوائره الملونة على واجهة كرتونته بنسخة طبق الأصل من الرموز والأرقام على واجهاتها.
بأناةٍ، لا تشبه نزق الصبيان، يدير ظهره لأمه المشغولة بإرضاع صغيرتها وبإلهاء باقي الصغيرات عن الشغب، ويبدأ يثقّب المربّع والدوائر بإبرةٍ سيرنكٍ تحتفظ بها أمُّه كإرثٍ اخترق أوردة زوجها بحنان في ايامه الأخيرة، محاولاً، عبثاً، أن يبقيه حيّاً.
الآن، ومن حافة موبايله الذي اكتمل يعلّق الصغير خيطاً مزدوجاً يسري به إلى الجدار حيث يفصل نهايتيه ليدخلهما ضمن هيكلٍ كان صمّمه مطابقاً لشكل الإبريز، وألصقه على الجدار. يجلس منتظراً أن يكتمل شحن الموبايل التام الأوصاف، وأن تأتي أمه بالعشاء.
تأخر العشاء كثيراً. في الحقيقة لن يأتي العشاء، سيكون الليل حلّ منذ زمنٍ، ولن تأتي الكهرباء أيضاً، ولن تكف أخته الصغيرة عن البكاء، ولن يشغله بكاؤها عن خطف الولاعة من على الرف الفارغ في (البيت) الفارغ إلا من فرشاتٍ ممدودةٍ بوهنٍ على الأرض، وبطانية رقيقةٍ سيندسّ الصغير تحتها، وسيشغّل الضوء (الليزري) في ذيل الولاعة، ويمرّر موبايله في ذهابٍ وإياب فوق حزمة ضوئها الأزرق.
حين يتماوج الضوء من بين الثقوب، يقرأ اسم رفيقه وسط إطار المربع. رفيقه في بيته القديم في المخيم يتصل به، وعليه أن يجيب. يفتح الخطّ، كما كان والده يفعل، ويحكي مع رفيقه طويلاً، كما كانا يتحادثان في الحارة القديمة قبل تلك القذيفة، ويتفقان أن يلتقيا غداً ليأكلا معاً سندويش مرتديلا طلياني، مع علبة كولا تنك، بعدها الشيبس والبوظة، واللعب بالمراجيح…
سينام على هدهدة المرجوحة، وعيناه تحاولان رسم الرقائق الزهرية المنقطة بالأبيض، وفمه يمضغ طلاوة الدسم اللذيذ والساخن، وأذناه تترنمان بخشخشة فقاعات الكولا من فم العلبة التنك الأفخم من العلب البلاستيكية…
الصورة: بتصرف عن Mohamed Azakir/Reuters
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.