الجوّ شتائيٌّ جافٌ، بالكادِ أقدرُ على جرّ قدميّ في الشارعِ الخالي من المارّة، يدي اليمنى تداعبُ ثروتي؛ خمسُ قطعٍ نقديّة معدنيّة، و اليسرى تتلمّس منديلاً ورقيّاً يتيماً.
لا أذكرُ ما دفعني للاستيقاظ مبكّراً هذا الصّباح، لم يوقظني “روميو”.
في كل صباحٍ ثمّة شابٌ قبيح المنظر يركنُ درّاجته أمامَ منزلي، ويضغط على مقبض الوقود بلا هوادة ليعلمَ معشوقتهُ، جارتي، بقدوم شخصه الكريم… هذا هو روميو.
أستديرُ بعد أن قرّرت العودة إلى منزلي، حينها لمحتُ شابّاً يرتدي الّلون الأسود بالكامل وكأنّه لا يريدُ لأحدٍ أن يعرفه، يضعُ حزمةً على الناصية، وأخذ يجري مبتعداً عندما ناديتهُ بصوتٍ مبحوحٍ: “يا سيّد!”.
كان فضولي أقوى منّي، حملني لتفقّد تلكَ الحزمة فوجدتها مظروفاً أصفر قميء الّلون، مربوطاً بشريطةٍ قماشيّةٍ حمراء. فتحتهُ لأجد أنّه يحتوي مجموعةً من الأوراق البيضاء، لم يسطر فيها أيّ حرفٍ قط.
أخذت المظروفَ واتّجهتُ إلى المنزل سعيداً بغنيمتي.
لم أعد أذكرُ كم مشيتُ حتّى وصلتُ إلى المنزل، لكنّ الطريق بدا لي أطول.
الصّباح التالي: أستيقظُ مذعوراً على صوت مكربن دراجة “روميو”، أهلعُ لأتفقّد أوراقيَ البيضاء، أغسل وجهي بتروٍّ وتململْ، وأعودُ لتفقّد الأوراقِ من جديدٍ وإحصائها.
أتّجهٌ نحو سريريَ بكلّ ما أوتيتُ من خمول، أستلقي على ظهري وأداعبُ سرّتي.
يعجبني السّريرُ في الصّباح، بكلّ ما فيه؛ التعرّقُ الّليليُّ على الوسادة، الملاءةُ الدّافئة، أطرافُها المتحرّرة من الزوايا…
آخذُ غفوةً قصيرةً لنصفِ ساعة، ليوقظني كابوسٌ أرى فيهِ أوراقي البيضاء محترقة، أجري حافياً في أروقةِ المنزل كلّها، ثمّ أعود لتفقّد أوراقيَ البيضاء، ما زالت في مكانها، لابأس.
في بداية الامر كنتُ آخذها معي أينما ذهبت، ثمّ اتفّقتُ مع نفسي على أن أخبّئها في مكانٍ غير آمن، من الذّكاء أحياناً أن تستغلّ غباء النّاس المتمثل بعدم ملاحظتهم لما هو جليٌّ، قرّرنا وضعها على الطّاولةِ الخشبيّة الكبيرة، في منتصف الغرفة.
مرّت ثلاثةُ أيّامٍ والأوراق لم تبارح مكانها، وأنا أعيش حياتي بروتينٍ قاتل؛ أستيقظُ متأخّراً، أتنزّه لبضع ساعاتٍ في شوارع المدينة ثمّ أعودُ إلى المنزل، أتفقّد أوراقي البيضاء وأغطَ في نومٍ عميقٍ. في اليومِ الرّابع تغيّرت الأمور؛ أصدقاءٌ يأتون ويرحلون، أقاربٌ يبادلوننا الزّيارات، جميعهُم تبدو عليهم أمارات الحُزنِ، وجميعهم يدخلونَ إلى غرفتي عنوةً دون أيّ استئذانٍ ويتفحصّون الأوراق ثمّ يعيدونها إلى مكانها. لم يزعجني تصفّحهم؛ إنّما ذهلتُ لفرطِ تأمّلهم لها، ومناقشاتهم حول جودةِ هذا النّص أو ذاك، وتميّز هذه القصّة عن تلك. وكانوا مهما صرختُ بهم ونهرتهم عن لمسها.. لا يستجيبون.
أحدُ الأصدقاء أخذ آخر ورقتين وجلسَ على الكرسيّ الهزّاز وشرع بالقراءةِ بصوتٍ جهير. ياللعجب! إنّه يقرأُ أحد نصوصي وكأنّما حفظهُ عن ظهر قلب.
باتَ الأمرُ مُريباً جدّاً، وبتُّ أشعرُ بالوهن يوماً بعد يومْ. إلى أن استيقظتُ في مكانٍ ضيّقٍ، رطبٍ ومُظلم.
بدا لي للوهلة الأولى أنّي قد سقطتُ في نومي عن السّرير وانزلقتُ أسفلهُ. ثمّ استدركتُ الأمرَ؛ إنّه تابوت.
حاولتُ الحراكَ بشتّى السّبل ولم أقدر. كانت يدايَ أسفلَ ظهريَ، وصدري ورأسي محشوران بسقفِ التّابوت. ثمّ، ومن الّلامكان، أحسستُ بشيءٍ أملسَ، باردٍ وناعمٍ أسفلَ يدي، مشى ببطءٍ على جانبي الأيمن واستقرّ بجانب مرفقي.
ورقةٌ بيضاءْ.
لم تُمهلني تلك الورقة الوقت الكافي لأفكّر من أين أتت، لترفع مُقدّمها و كأنّها تستدعي بقيّة الأوراق الّتي سرعان ما لبّت النّداءَ. أخذتِ الأوراقُ تملأُ الحيّز الضيّق المتبقّي، حتى أصبح كلّ شيءٍ بالّلون الأبيضْ.
استيقظتُ على صوتِ المنبّه المعتاد، “روميو”، مشيتُ بحذرٍ شديدٍ نحو الطّاولة وأمسكتُ بأوّل ورقة: بيضاء!.
الثّانية لم تختلف عن الأولى بشيءٍ، ولا الثّالثة ولا الرّابعة ولا الأخيرة؛ كلّها كانت بيضاء تماماً!.
وضعتُ تلكَ الأوراقَ في مظروفٍ أصفرَ قميءِ الّلون، وربطتهُ بشريطةٍ قماشيّةٍ حمراء، ارتديتُ ملابساً سوداءَ بالكامل لكي لا يعرفني أحد، ومشيتُ في الطّريق الخالي إلّا من مارٍّ وحيدٍ، يضعُ يديهِ في جيوبه، والّذي ما لبثَ يناديني بصوتٍ مبحوحٍ ” يا سيّد!”، حين وضعتُ المظروف على النّاصيةِ وجريتُ مبتعداً.
قرأت مقال لديكم عن الصحفي الكبير السيد منصور ابو الحسن رحمه الله كنت اود لو تقومو بتزويدي بعنوان البريد الالكتروني لإبنه كمي او إبنته يمن منصور ابو الحسن إذا كان موجود لديكم او تزويدهم بالبريد الالكتروني الخاص بي وذلك بحكم الجيره التي إمتدت لاكثر من اربعة عشر عاما وإنقطاع اخبارهم بعد مغادرتي لسوريه ومنذ فترة طويله وانا ابحث عنهم ……………وتفضلو بقبول فائق الاحترام والتقدير