وَلدَيكَ غَابةٌ تحتَ سريرِكَ أو أدنَى بقَلِيلْ
وحَيوَاناتٌ بِرؤوسِ الفَاكهةْ
ولُفَافةُ سماءٍ تَفردُها حينَ لا سقفَ واضِحَ فَوقَكْ.
وفيكَ نُوتةُ رَحمةٍ، مُستَحْضَرَةٌ مِن قَسوةِ هُدُوءِ البَارِحةِ القَادِمِ علَى صَهْوَةِ الزَّورَقِ
المَنْحوتِ بِأيدي مَنْشَرَةٍ منَ الأنْبِياءْ
ولا ذئَابَ تَتَربَّصُ بِقُطْعانِ وَدَاعتِكْ.
كانَ الوقتُ يَمِيلُ إلى ذَرّاتِ الرّملِ حِينَها،
وَفَانُوسُكَ السِّحرِيُّ يَنفثُ عَفَارِيتَ بِلونِ الحربْ.
لمْ تَكُنْ قدْ بَلَغتَ سِنَّ الرَّجْفَةِ بعدْ
أسْنَانُكَ تَتدَلَّى، تَتطاولُ كَلِحيَةِ جُوعٍ هرِمْ
والمساءُ شَيطَانيَّاً كانَ،
يَتَزَرْكَشُ بِتَبَّانَةٍ منَ العُيونِ الحُمرْ
وَدَلَّةُ البَدَويِّ تَغلِي بِسَائِلِكَ الشَّوكيّْ
أكَلتَ دِمَاغَكَ يَومَها، لِتُتخِمَ قَلقَكْ
لتَغصَّ بِلُزوجَتِهِ الرّطبةْ،
وتُضيءَ القُرى بِسيالَتِكَ العصَبيَّةِ ” العَصبِيَّة “.
كانَ هُناكَ عَذارَى،
يَثقبْنَ على قُرونِ وَعلِ الجبلِ الفَحلِ أغشِيَةَ البَكَارَةِ،
يَنزِفْنَ ذئَاباً بدَلَ الدَّمِ،
والذِّئابُ تَفْتَرِسُ الوَعلَ بِنَهمٍ هَادِئ.
وَمجنُونُ القَريَةِ يَتَقَمَّصُ نَبِيَّاً،
ويُلَوِّحُ بعمودٍ فَقريٍّ – سَرقهُ من قَبرِ أبيكَ – ليطردَ فيهِ الذِئَابْ.
وأمُّكَ تَرقُّ عَجِيناً، من بَقيَّةِ عِظَامِ أبيكَ المَطحونةْ،
وتَخبِزُ على قَمرٍ اصْطادَهُ “قَبضايُ ” القريةِ، وأهداهُ لها،
بَعدَ ليلةٍ طالَ التَّأوُّهُ فيها.
وتجتمعُ الجدَّاتُ حولَ التَّنورِ،
يَروينَ قِصصَ عشقِهنَّ الفاجِرةِ مع سائِسِ الشُّيوخِ،
كيفَ كانَ يلسَعُ مؤَخِراتِهنَّ الفتيَّةْ،
بِسوطٍ مجدولٍ من شَعرِ آخرٍ أمٍّ وُلِدَ مِنها، قبلَ أنْ يَكُفَّ عن التَّقَمُّصْ.
وتَلتَهمُ أظَافِركَ،
تَلتَهمُ بَقَايا الوَحلِ، الجِلدِ، الخَراءِ، الطَحالبِ والدّمِ،
لتُزيلَ تذكَارَ آخرَ حربٍ خُضّتَها معْ ثَورِ الجِيرانْ.
حَزَزتَ رقبَتَهُ يومَها، بِمِنجَلٍ ثَلِمٍ،
ثمَّ تَبوَلتَ عليهِ لتَغسِلَ دمهُ، وتُخفي الجَريمةْ،
فَنبتَ نبيٌّ مَصلوبٌ مكانَ البولْ.
ضَحكتَ كثيراً، وقعتَ أرضاً من القَهقَهةَ المتَواصلةِ،
يَومَها نَتَفتَ لِحيةَ ذاكَ النَّبيِّ،
ووضَعتَ أكليلَ العوسجِ حولَ عُنقِ نمرٍ رَوَضَّتهُ بِحُفنَةٍ عشبٍ مُخَدِّرْ.
وحينَ صعدتَ الجبلَ لِتَعوي نَدماً،
رأيتَ اللهَ
يَتدلَّى منْ رَحيقِ زهرةٍ سَحقْتَها بِقدَمِكَ الحافيةِ،
دَخلتَ جُحرَ الخُلدِ وبَكيتْ، فطارَ النَّمرُ إلى أمِّكْ،
التَهمَ ” قَبضايَ ” القَريةِ وسائسَ الشُّيوخْ،
واخْتَنقَ بعامودِ أبيكَ الفقريِّ حينَ هاجمَ المجنونْ.
وأنتَ تَعتَصِرُ الخلدَ وتَصرُخْ:
“خُذْ عَينيَّ وهاتِ عَمَاءكْ، خُذْ عينيَّ وهاتِ عمَاءَكْ “.
والجدّاتُ بدَأنَ الّلطمَ، وزبدنَ كثيراً،
والقمرُ انطلَقَ ترساً،على ساعدِ محاربٍ يحمِلُ سيفاً من صَاعقةٍ،
يطعنُ فيهِ المطرَ، قطرةً، قطرةً، ويصيحُ:
“البحرُ ؟، أينَ البحرُ؟، تعالَ إليَّ وخذْ حيواناتِكَ المنويّةَ عنّيْ”.
ينبُعُ بحرٌ من بينِ فَخذيْ حُبلى تَلدُ، يهجُمُ نحوَ القريةْ،
فيشُقُّ المجنونُ جَسدَه، بعامُودِ أبيكَ الفَقريّْ.
وبعدَ مرورِ البحرِ، يتَشَكَّلُ والدكَ، لحماً فوقَ لحمٍ، في يدِ المجنونْ
فيعودُ إلى رُشدِهْ، ويبدأ بمعانقةِ أبيكْ.
تَنظُرُ، تُحاولُ أن تنظُرَ، لكنَّ بَصركَ مُمَوّهْ،
تَرى خَيالَ الخلدِ يمسكُ بيدِ أبيكَ، ويمشِي معهُ نحوَ البيتْ.
وأنتَ هُناكْ، في الحُجرِ الضّيقِ،
تَدخُلُ فيكَ الدِّيدَانُ، تُدَغدغُ جسمكْ،
فتَضحكُ، تَتَقلّبُ، تَدحرَجُ نحوَ السَّفحِ، وتَقفِزْ.
تحطُّ على صَهوةِ المحارِبِ، تعضُّ رقبتَهُ بأنيابِكْ، “تَنتِشُ” قطعةَ لحمٍ حيّةْ،
وتأخذُ منهُ القمرَ،
تَرمِي الصَّاعقةَ إلى اللهْ، تَغرزُها في قَلبِهْ.
وتسيرُ نحوَ البيتْ، تُعطي القمرَ لأمِّكَ كي تخبزَ بعضَ الأرغفةِ لأبيكْ،
تَذبحُ كَبشاً كَهلاً، بعدَ أن تُقَّبِلَ يديهِ، وتَستَميحُهُ لَحمَهْ،
تَشويهِ على ضَفائِرِ الجدّاتْ، وقدْ قَصصْنَها فرحاً بعودةِ أبيكْ.
تَصبُّ كأسَ شرابٍ، من عنبٍ تَخمَّرَ على أثداءِ البقرةِ الّتي قتلتَ ثَورَها،
تعطِيهِ لأبيكَ، يَتَجرَّعهُ بعطشٍ:
“أمممممم، خَمرةُ النّدمْ !! من أينَ قتَلتَها؟”.
تّشعُرُ بالفَخرِ، تَخشَوشِنُ أنيابُكْ، تغدُو “قَبضايَ ” القَريةْ،
ينمُو فوقَ فمكَ شاربٌ على هيئةٍ قَرني ثورٍ مَذبوحْ،
تقتُلُ وعلَ الجبلِ الفَحلِ،
وفي الصّباحْ، تَصحُو القريةُ على عَويلِ أمِّكَ، وقد التَهمكَ الخلدُ،
ولم يتركْ منكَ سوى عامودكَ الفقريّْ،
يأخذهُ المجنونُ، ويجري بينَ بيوتِ القريةِ، يَصرخُ:
“رأيتُ اللهَ، رأيتُ اللهْ”
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.