أتخيّل نفسي بحيرة ماءٍ، وأكثر الأشخاص حزناً يبكي فوقي أمتلئ بدموعه فأغرق أكثر، ثمّ يرحل تاركاً أكواماً من الملح في عيني، وأنا منذ ذلك الحين أبكي كغيمة حزينة، أبكي ولا يتبدّد هذا الملح.
هكذا هو الحبّ يقول: ليل يحين ببطء ،ثمّ صبحٌ دائمٌ. العنب في الحقل ينام بهدوء ويترك للليل أغانيه القديمة هل تعانقني هنا قبل أن تكتمل أثداءُ العنب؟ فتصبح خمراً هذي العناقيد في قلبي. هل تحبّني أكثر؟ فأصبح حلوةً، كهذا الحقل الواسع. هات يدك إذن هات ثغرك، ثم يديك، وأصابعك، وعرقك وحزنك، وتعبك وامتزج بي، بتراب جسدي المالح. خذ هذه الضحكات كلّها أحشُ بها برد عظامك القارس وامسك يدي جيداً، هل تشعر بالدفء حقا؟ ألتقط معك السعادة وأُطعم قلبي الصغير فيكبر هل يكبر قلبك مثلي أيضاً ؟ كيف هو لون قلبك إذن أميلُ للإعتقاد بأنّه بنيٌّ وطريّ كتراب الأرض التي نبحثُ عنها نبحثُ عنها دائماً ولا نجدها أبداً. يشبه الأمر جوقة من فتيات صغيرات يتعلّمن عزف البيانو حديثاً في رأسك. حتى الآن لم أفهم هذه الآليّة التخريبيّة للضوء وقدرته على تفكيك الذكريات واحدة تلو الأخرى، كلّما أكلتُ خيطاُ من الضوء خسرتُ أمساً كاملاً. ضوء آخر مجدّداً هل تُعجبك الموسيقا؟ هل تُجيد الرقص؟ كنتُ أجيد الرقص مرّة,لكنّ أحدهم سرق حذائي الوحيد و لم أعثر بعدها على حذاء يناسب قدمي،قدمي التي كانت تصغر كلّ يوم دون سبب. والآن لا أجيدُ الرقص،أجيد التعثّر فقط، فلا تتخلّ عني في تلك اللحظات التي يخز فيها الحزن قلبي.
كانت أقدامنا طريّة لم تخطُ فوق شوكٍ قطْ، لم يعلّمنا أحدٌ كيف نقبض على السعادة بأفواهنا وأسناننا، ربّما كان من الأجدى تكديسها في حليماتنا الذوقيّة، تحت مسامات الجلد أو في القلب حيث القسم الأكبر للخيبات عوضا عن تكديس كلّ تلك الثقوب سدى.
ثقوبنا سريّة ومخجلة، تثير الحكّة دائماً ثمّ في لحظة ما حين يتأخّر الحظ عن موعده القديم معك، تتماهى مع ثقوبك وتختفي، لا أثر يبقى لك ولا رائحة، خدشٌ طفيفٌ في قلب وجودٍ قلقٍ هو أنت. لا نفعل شيئاً مهماً منذ أن ترجّلنا عن المجاز واعتلينا مصطبة الحزن، نحرقُ أوكسجيناً زائداً عن حاجتنا للتنفّس كي لا نختنق مع كلّ هذا الدخان في الرئة.
صرنا فاشلين، وحيدين، ونخاف من أن نموت دون أن نُقبِّل أو يُقبّلنا أحدهم. كلّ شيء أصبح مستهلكاً لدرجة مأساويّة الحانات تعج بسكارى يتقيّأون أحلامهم الصفراء آخر الليل، حتى عناوين الأخبار في الشريط العاجل نتجاوزها بضجر شديد والقتلى مثلنا جميعا يثيرون غضب أحياء لا نشبههم ولا نعرفهم، أما نحن فكلاب بمعدات خاوية فقط، ننتظر أن يبصق لنا الموت عظمة ثمّ ينتهي بعدها كلّ شيء. أصوات وأصوات كثيفة،ضجيج في كلّ مكان، مجهد هذا الفراغ حولنا. هل تسمح لي بالجلوس إلى جانبك؟ خذْ قلبي، هيّا كن شجاعاً قليلاً، أريد أن أكون تفّاحتك فقط، وكلّما شعرت بالمرار اقضمني قليلاً، سأمنحك شجرة تليق بظلّك وبهذا الخراب حولنا.
أيهما تفضّل حقا؟ أن أحدّثك عن البحر أم عن السمكة الصغيرة التي لا تغرق؟ هل تخيّلت نفسك يوماً دولفيناً طيب..! مع كلّ هذا التجهّم كدت تقنعني بأنك ولدت في بطن حوت كيف كنت تمضي نهارك؟ ماذا كنت تأكل أيضاً, هل كنت عارياً طيلة الوقت طيب! هل كنت تشعر بالخوف كأنّ أحدهم يضع مسدسا في رأسك وبينما كنت تستمني على عجل وتتصبّب عرقاً كأنّك تضاجع حزن العالم كلّه، أين قذفت سائلك المنوي؟ ماذا لو جعلتها تحبل حينها؟ كنت ستصبح أباً لحوت آخر. تصوّر هل فكرت بذلك؟ هل فكرت بي؟ هل جلبتني إلى حلمك؟ كيف بدوت؟ هل أحبّبتني؟ هل كنت بطراوة قلبك ،أتمنى لو أمضغك كحبة مشمش ناضجة. تزعجك الأسئلة، لا يعجبك الحديث أيضاً، لن أسأل بعد الآن لكنّي أريد أن أعرف كلّ شيء عنك، هل تشعر بالخدَر مثلي حين تثمل؟كيف تنام؟ على بطنك أم ظهرك؟ كيف تبدو ملامحك حين تغضب، أظن أنّك من الأشخاص الذين يبتسمون قليلاً، هل يمكن أن تكون أكثر لطفاً؟ فقط قليلاً؟ تظنني فضوليّة وسخيفة، لا يهمني حقاً كيف تفكّر بي، ولا أطلب شيئاً. أريدُ ان أذهب معك إلى البحر فقط هل تأخذني معك إلى البحر؟ سأعلّمك كيف تغرق. لكن قل لي قبل ذلك هل يوجعك الحب؟ مثلي؟!
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.