ضاجت مواقع التواصل الاجتماعي فرحاً وفخراً باللاجئة السورية يسرى مارديني التي تلقفت وسائل الإعلام الألمانية والغربية والعربية حكاية نجاتها وإنقاذها مع شقيقتها سارة ولاجئ آخر (للأسف بقي اسمه مجهولاً) للـ “بلم” الذي كانوا يستقلونه من تركيا إلى اليونان مع عشرين لاجئٍ آخر. وما أن وطأت يسرى ألمانيا حتى تلقفها مجتمع يقدر الطاقة والموهبة والاجتهاد، فأوصلها إلى أولومبياد ريو دي جانيرو للمشاركة ضمن فئة مستحدثة لفريق الرياضيين اللاجئين. وقبل أن تحقق البنت الهدف الرياضي تضاربت الآراء كعادتها، فهل نفرح أن يسرى لاجئةٌ سوريةٌ في طريقها لتحقيق إنجاز عالمي؟ أم لا نفرح لأن بعض الأخبار تفيد أن يسرى من عائلة يقال بأنها مؤيدة للنظام؟؟
توخيا للدقة بحثت في جميع اللقاءات والتسجيلات التي أجريت مع الفتاة الشابة يسرى واستمعت إليها. وسجلت الملاحظات التالية:
يسرى تبلع من العمر 17 ربيعاً أي أنها منذ خمس سنوات كانت في الثانية عشر من العمر!
لم تذكر الفتاة خلال إدلائها بالتصريحات مايدل على توجهها السياسي، إن كان لديها توجه، بذكاء تحسد عليه. رغم ورود مفردات الحرب، القصف، المدافع في حديثها.
قولها بأنها تتمنى لو استطاعت أن ترفع علم بلدها لا غبار عليه. فنحن جميعا محرومون من هذا إلا بخيارٍ شخصي يقتصر على صفحتك الشخصية على فيس بوك مثلا.. وعن تجربة، عشت في بلدين عربيين يمنع فيهما رفع علم الثورة على الرغم من الادعاء العلني بتأييدها في سياستهما. وربما لو رفعت يسرى أياً من العلمين (العلم الأحمر أو الأخضر) قد يعرّضها هذا الفعل، ضمن القوانين التي فرضت عليها في الأولومبياد، لمسائلة ولغط هي بغنى عنهما الآن، ما قد يحرفها عن مسار الهدف الذي تسعى إليه.
الأهم من كل ذلك، أن يسرى في تصريحاتها خفيفة الظل، فتية مثل برعم غض، قوية وناعمة مثل أشعة الشمس في مقتبل النهار، لا تفتأ تَذكُرُ اللاجئين بكلامها وتسلط الضوء على قضيتهم ورفع أسهمهم، وإعطائهم درساً ودافعاً وأملاً. وهذا بحد ذاته رسالة هامة في موقعها ستحاول كل الأطراف المعنية استثماره والادعاء بأنه خارج من تحت عباءة رعايتها.
سبق وأن قابلت بطلاً رياضياً لاجئاً في أوروبا يحقق الانتصارات المتتالية على أعلى وأرفع المستويات. طلب مني بكل تهذيب أن أحترم وجود أفراد عائلته في دمشق. وبينما كان النظام يحتفي بانتصارات هذا الشاب كنا نحن أبناء الثورة وإعلامها نحتفل به أيضاً.
في محاولتنا لإيجاد نقاط التقاءٍ واتحاد، سنعجب كلنا معا بعملٍ فني، نجح مخرجه في ضم ممثلين مؤيدين للنظام لعمله ووضع على ألسنتهم سيناريوهاً دفاعياً عن الثورة كما فعل رامي حنا. وعندما تنجح فتاةٌ صغيرةٌ لعبتُها الماء، بأن تنقذ عشرين شخصاً من الغرق بغض النظر عن انتماءاتهم وتوْصلهم برفقة شقيقتها إلى بر الأمان، كما فعلت يسرى مارديني.. سنعجب وجداً بما فعلت.
حريٌّ بنا ألا نبحث عن نقاط الضعف لنهدم آخر ما قد يُصلح يوماً ما أفسده الأمس، وألا نعبث بالتعاطف والتشجيع والتضامن الإنساني. رأيت بأم عيني لاجئين شبيحة للنظام بكلِّ معنى الكلمة، جاؤوا بوضوح لتنفيذ أجندة التشويه والتخريب. مهمتهم تمريغ سمعة اللاجئين السوريين بالسوء، بلا أيِّ خجلٍ أو تورية. البطلة يسرى مارديني أبدا ليست منهم.
في النهاية هناك قيمٌ أخلاقيةٌ في لعبة شدِّ الحبل، قد تبدو أحيانا واهيةً ولا مكانة لها في خضم الحرب والفوضى والألم وأوجاع التشظي والحنين اللانهائية. لكننا معا ويداً بيد قد نجدل الحبال أمتن وأقوى باتجاه الفكرة السامية والقيمة العليا. وتكون يسرى فرحةً من الأفراح القليلة التي نتشارك بها، وتخفّف عنا حدّة الألم والخسارات فيما لو فازت بميداليةٍ باسم اللاجئين السوريين.
2 تعليقان
تنبيه المشاركة جمال خليل صبح: عن (يسرى مارديني) وذلك الفرح النّاقص! | Syria
تنبيه المشاركة عن “يسرى مارديني” وذلك الفرح النّاقص! – دحنون|Dahnon
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.