ربما بإمكاننا…
للوهلة الأولى تبدو مدينتنا ساكنة و كأن يد الرحمن الحكيمة قد حطّت ببركتها عليها!
وكأنها نجت مما حلّ بتلك المدن الصارخة التي تجتاحها الدبابات عاشقة الأذى ،فاغرة الأفواه، قاذفة الرصاص و الأحقاد، حاصدة البشر والبيوت والشجر!
لكن: تكفي عين لمّاحةٌ تبصر ما تحت هذا النقاب الهش من معارك صامتة تنهش في لحم قاطنيها!
معارك رأي
و معارك فقر
ومعارك جوع…
جميعها بدأت مع آلة الحرب هناك، لكنها لن تنتهي هناك أو هنا وعلى امتداد هذا الوطن، بل ستتفاقم حتى بعد أن تنتهي القاذفات من بصق آخر لقمةٍ قاتلةٍ محشوَّة فيها!
ما نتناساه دوماً أنه في الحرب؛ في أية حرب: لا يوجد منتصر!، فالجميع في الحروب خاسرون!؛ إنما على درجات…
وما لا نريد أن نقرّ به: أن معارك الفقر تُعاش بصمت، حيث ليس لأصحابها صوتٌ أو رجاء، أو حتى عزاء! فيما نحن نتلهى بضجيج معارك الرأي …
يكتمل المشهد الموجع بصمتنا حيال غياب الحكومة التي انكفأت خلف حواجزها الاسمنتية التي لم تكن لتحتاجها أصلا…
فجدران القطيعة كانت قد استطالت بينها وبين احتياجات شعبها منذ عقود…
هناك في المدن المنكوبة لم تستجب لا الحكومات ولاالله الذي نادوه: “ما إلنا غيرك!”… لكنّهم تآزروا فيما بينهم كما يليق بأبناء الألم الواحد…
وهنا: ما زلنا نتناسى أنّ ما لن ينجو منه أحدٌ منا ـ ولو مع بعض الفروق ـ هو الفقر!
والفقر لا يميت الناس جوعاً
لكنه يميت الرمق الأخير من كراماتهم!
وإذا كنا لا نختلف في رغبتنا ببناء وطن جديد؛ فبناء الأوطان يبدأ ببناء النفوس!
مازال ثمة متّسعٌ للكثير من الإنسانية في معاركنا الصغيرة…
لفتةٌ واحدةٌ من أيٍّ منا إلى داخله ستريه أنّ بإمكانه أن يفعل الكثير:
قد نعيد التفكير في مواقفنا الضيّقه…
قد نتعلم كيف نحسن الإصغاء…
وقد نسير لملاقاة الآخر…
وقد نعتذر عن أخطاء قديمه…
أو يومض في دواخلنا برقٌ صغير: أن نشد أزر بعضنا بعضاً….
فهذا البلد المصاب من أقصاه إلى أقصاه : بلدي!
و أهله أهلي…
قد يبادر مَن ما زال يستطيع الوقوف منا فيبذل بعضاً من إمكانياته ـ وهذا أضعف الإيمان حيث لا حكومة تحمي أحداًـ ستراً و غطاءً لهؤلاء المنكسرين الذين لن يعلو لأحدٍ منهم صوت استغاثة من خلف أبواب بيوتهم المغلقة على الخواء…ا
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.