“توم سوير” راجع

هكذا، حربٌ مرّةٌ واحدة!
دونَ مرورٍ بالنمرِ الورديّ، أو قرع باب السيّد توم سوير!
دون أن نغني متعانقين، حياتنا..مسرّةٌ

حربٌ دفعةٌ واحدة!
أحياء تشطب عن الخارطة، دون أن نحصلَ على ترفِ صورةٍ تذكاريّةٍ فيها..
مصطلحاتٌ بدت دخيلة، كمن يطأ كوكبَ لغاتٍ آخر: مظاهرة، إسقاط، شبيحة، مندس، قنّاص، منشق، دبّابة، مجتمعٌ دولي، أمم متّحدة، مبعوثٌ أمميّ، جيش حر، جيش نظام، لاجئ ونازحٌ ومهجّر!..
دون أن نتقنَ كلمة وطنْ

!حربٌ دفعةٌ واحدة!
يقودُ الطفلُ حديثَ السياسة في الخيمةِ الّتي يهواها الصحفيّون، يختصِر ذلك الفتى، بسمرته الساحرة، وعينيه الواثقتين الثابتتين، ووجهه المقشّر بفعلِ الجفاف وأشياءَ أخرى، يختصر طاولةَ حوار، وسهرة تحليل، وبرنامج الاتجاه المعاكس، وحصاد اليوم، وموجز الأخبار الذي يأتي على رأس الساعة، ويقول أن النّظام سبب القمع، ثم التسليح، ثم الدمار، ثم حرق البلدة والتهجير.
هكذا يقودُ خيمةً من الألمِ لتحط على الهواء مباشرة في القنوات _المغرضة_ دون أن يتسنّى لهُ أن يقودَ طائرةً ورقية..هكذا.. حربٌ دفعةٌ واحدة..!
الموتُ يأتي حاملاً أسماءهُ، واضعاً أوراق القرعة في سلّةٍ من القشّ، مهترئةٍ هرمة، ككهلٍ يمتطي ماضيهِ لاستعادةِ شبابه،
يسحبُ الاسمَ الأوّل، يوسف، الّذي ظنّهُ أخاه خائناً فقتله.
الاسم الثاني، ابراهيم، قربان كلّ الأزمنة، يموتُ فرق عملة!
الاسم الثالث، عيسى، تقريرٌ أمنيّ، ويموتُ تحتَ التعذيب.
اسماعيل، طاهر، فريدة، سلمى….. تحت القصف!
يرحلون دون أن نبحثَ عن أسمائهم في معاجمِ الأحياء

لا تجزعي سوريا إنها مسألة وقت.. ارجمي شعراءك، فكلّ نساءهم يغارون منك.
إنها مسألة وقت، لا يجزّ طرفٌ فيك إلا ليلد الياسمين، ولا تقصّ أذنٌ إلا لأنها سمعت روحك، وأجراس القلب، هلّة الغيم، وآخر العناقيد، حفيف التراب بالأزقّة، وتنصّت الأرصفة لوشوشاتنا نحن العاشقين، نحن الضالين.
إنها مسألة وقت، ستنتهي هذه المعركة، التي لا أهليّة فيها إلا لمن أتقن سنّ السكاكين، وصقل السيوف، وشحذ الحراب، لا مكان إلا لمن أجاد تقطيع الأرواح ووضع الحواجز من وريدك إلى وريدك..وريدي.