داريا، براميل متفجرة
داريا، براميل متفجرة

البرميل

سامي فياض

 

الموت هو الموت، لا يتصف من قتل ببندقية أنه أكثر انسانية ممن قتل بالدبابة، البندقية و أخواتها لا يبتسمن بوجه احد. القتلة المحترفون لا تبدو معالمهم على وجههم. وكثير من الاحيان لا نراهم، يضغطون الزناد ويختفون. وحده من يلقي البراميل كطيور الجيف، وحده يأكل لحم أخيه ميتا، يشعل فتيل البرميل وتذهب به الطيارة بعيدا وهو يبتسم.

البرميل، ولا يعرف اسم مؤنثه، احد عناصر سلسلة التطور في نظرية دارون. ربما العنصر الوحيد الباقي من حقبة الانسان البدائي. كائن همجي يهبط من أعلى السماء، يحول كل ما تحته إلى لون واحد من الدمار كفعل السرطان في الجسم. البرميل قاوم على مر الزمان كل حالات التطور و كل عوامل الحت والتعرية. البرميل كائن لا شكل محدد له، يلقيه مجرم يدخن الحمراء طويلة ذو لحية خفيفة و رائحة عرقه تختلط مع زيت المحركات، من مروحية قديمة يقودها قواد.

البرميل وصفه ملك في أحد الحكايات بأنه التنين الذي خطف ابنته. وقال عنه فلاح يعمل في أرضه: بأنه اقطاعي على حصانه. عامل المعمل وصفه بأنه مدير المعمل المتأنق الذي يستخدم مسدسا بدل سيف الاقطاعي و قال الطفل عن البرميل بأنه الساعة التي أصيب بها الكابتن ماجد. المراهقة الجميلة قالت أنه شاب وسيم أحب أختها بعد أن أحبته بصمت. وقالت المرأة الخمسينية أن البرميل هو اليوم الذي انقطعت فيه دورتها الشهرية. الستيني العاشق صرخ بصوت عال: البرميل هو وفاة زوجتي.

طلبت إحدى وكالات الصحة من شركة إعلانات حملة توعية لعدد من الأشياء السلبية، و جاءت الإعلانات كالتالي :

إعلان عن التدخين: صورة سيجارة مكتوب تحتها، قد تقتلك وعائلتك. وصورة برميل كتب تحتها سيقتلك وعائلتك وجيرانك ومختار الحي وعامل التنظيفات والسمان ومخبر الحي أيضا..

إعلان عن حوادث الطرقات: هل تعلم عزيزي الكائن المتمدن الذي يعيش في دولتنا الأوروبية أن البرميل قد قتل عشرين ألفا ومدرسة ومستوصفا ومنازل في بلاد في مكان ما لا يهم في هذا العالم ! ضع حزام الأمان ولا تخسر عائلتك.
إعلان عن ضبط النسل: وضعت شركة الإعلان صورة حي تعرض لقصف بالبراميل وقالت: في غياث الواقي الذكري، قد تكون النتيجة كارثية.

في بلاد متحضرة، عرض مجموعة من الشبان صورة لمجموعة أشخاص ينظرون إلى السماء، جاوب المتحضر الأول أنهم يصلون و المتحضر

الثاني قال أنهم ينظرون إلى عصفور أو فراشة. متحضرة قالت أنهم ينظرون إلى الأمل. كلا يا سادتي، نحن لا ننظر إلى شيء ، فقط اعتدنا أن نراقب و نؤرشف موتنا. أدمّنا النظر إلى الأعلى حتى ونحن ننتظر سقوط البراميل.

 

 

الصورة: انفجارات البراميل في مدوينة داريّا. فيسبوك

عن سامي فياض

سامي فياض
سوري من مدينة اللاذقية. طالب في كلية الاداب, قسم الادب الانكليزي, مهتم بشكل عام بالأدب ولديه بعض المحاولات للكتابة. في محاولة فكاهية لتقليد أعمدة الصحف الكبرى والمواقع الإلكترونية ينشر نصوصه كل خميس على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) تحت عنوان "خميسيات".

تعليق واحد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.