قدمان على أرض تميل – ٥

– 1

ثمة عاصفة. لا أرى طيورا في السماء. والشجرة تهتزّ كرجل مصروع. هكذا يكون الشتاء دائمًا. تنهال على النوافذ قطرات الماء، ولا
أحد يشعر بأصابعه إلا في البرد. هل سيطير البيت؟ هل ستنام الكلاب تحت المطر؟ وهل سيظل الأعمى يعزف على الناي؟ حين تنتهي العاصفة سأفتح الشبّاك الموصد. سأقول للشجرة التي لم تنخلع صباح الخير. أرى الكلاب التي لم تمت من البرد، وهي تخرج من تحت ألواح الصفيح، وتنفض الماء عن فروها المبلول. لقد توقّف الأعمى عن العزف لأن المياه سدّت ثقوب الناي وكتمت صوته. الشجرة قاتلت ببسالة في ليلة أمس. سأدفن الغصن الذي انكسر بجوار أمه.

– 2

في السماء ذاتها
هناك طير أبيض الريش
وطائرة هدّارة من المعدن.

.. في البحر أسماك بحراشف حمراء
وسفينة فولاذية

… على اليابسة صخور بيضاء
ومقالعٌ في السفوح.

.. وأنا أنسى كل هذه القسوة
حين ألتفت فلا أراكِ بقربي.

– 3

في يوم لم يكن كسواه
كانت الكائنات تشعر بالدّوار
وهي تنحدر على سفح الجبل
لتنتشر في أرجاء الأرض مرة أخرى
وكان نوح يراقبها من الخلف
متكئًا على عصاه
وثمة عصفور يقف على كتفه.

كلّما تنهّد نوح
أقسم أنه سينسى الماضي
ثم خشي على نفسه من اليمين الغموس.

– 4

لا أعرف لماذا كنت وحيداً. أمشي بجوار السور القديم وأنظر إلى شواهد المقبرة. أتفحّص العلّيق ولا أستطيع أن أشبهه بشيء آخر. ومن الناحية الأخرى، هناك هواء نظيف يندفع من آنٍ إلى آن، ومياه تنحدر في النزول القاسي. لا أعرف أين سأكون غدا، ولا كيف يبدو الرصيف البحري بدون منارة بيضاء. ولا أعرف، أيضا، لماذا تذهب الأمواج تباعاً إلى كاسر الأمواج.

– 5

الأرض تحت العشب باردة
والعشب تحت الكلب أدنى من سواه
وكلب جارتنا مريض.

قد كانت الأشجار عاريةً هنالك
.جاء عمّالٌ وغطّوها بماء الكلس

ثمّ تفرّقوا بين الأزقّة بالدِّلاء البيض.

…

هذا صباح آخر
الشمس فوق السور..
ترمي نفسها.
والقنطرات تمرّ من فوق المراكب والمياه.

…. سرب من الطير النَّزوح أتى إلينا في الضّحى
والعشب عند نهاية المزراب أطول من سواه.

….

النّار تسعر تحت آنية الشمندر
والشمندرُ حين يترك فوق أطراف الأصابع،
بعدها
لطخاته الحمراء
يدفعنا لنبحث، خائفين، ودون جدوى
عن مكان الجرح.

وقد نقول بسرّنا: ما أصعب الجرح الذي لسنا نراه.

الصورة: David Brunetti©