دخلت الى غرفتي، أمسكت حاسوبي لأصفف فيه حروفي…
صرخ “مايك ماسي” حين لامس إبهامي الكبسة العريضة: نجمٌ في الأفق بدا فرحاً يشدو رغدا …
نجمٌ يصف حيرتي وضجري شوقاً لتاء التأنيث التي لا أعرفها إلا ساكنة، وأخشى منها حركة الضم كما أخشى من حجار رأسي حين تقرر الدوران في الغرفة…
هنا مرآتي الكبيرة ذات الوجهين، والتي لا أجد نفسي فيها، وتعلوها ساعة الحائط التي نزعت عقاربها لكنها ما تزال تدق في فراغ أيامي… وهناك مكتبةٌ خاليةٌ إلا من كتب اللغة الجديدة، وحقيبتي التي تستبيح سريري، أمتلك ما بداخلها، وتمتلك عالمي بين أسنانها، وأراها مومساً بلا ذاكرة وبلا قلب…
على الجدار المجرّح لوحاتٌ غيّر الغبار ملامحها، وطاولةٌ مهترئة الأرجل تحمل نحاسياتٍ عتيقة، وروايةٌ تحتاج مزيدا من الاستقرار، ونافذةٌ مشرعة على غابة تسمح للغربان فقط بالمرور على أغصانها، وستارةٌ أكلت شمس آب الوانها الداكنة، وسريرٌ عصري يعرف كل أسراري وعليه أزرع أحلامي، وبساط يحوي ألوان الحياة، وفي كل خصلة مائلة فيه أرى أصابع جدتي المرتعشة، لتنتهي خصاله العريضة بزجاجات فارغة منكرٌ ما كان فيها…
في منفى آخر سيصبح وطناً، سأبدأ من الصفر.. لأن الحرب أعادت البلاد الى نشأتها الأولى، والأولاد الى الفطرة الصماء… الكل بات يلحّن للهجرة، ويفتي في أمرها، لتغدو فرض كفاية لمن وجد في البحر سبيلا…
الحقيقة الكبرى , ليس في الحياة حقيقةٌ تستحق أن يموت الإنسان من أجلها. الوطن هراء .. أية دار دافئة مريحة املكها هي وطني. إنما خُلقَت المبادئ ليحكم الاذكياء باسمها وليموت الأغبياء من أجلها، وهذا الشعب طفل غبي ينادي أي سارق يخطف أمه: يا عمي!! والتضحية مصير الخراف في أعياد الجلادين الجياع كما ذكر في ليل الغرباء…
خطوةٌ أولى على رؤوس الأصابع في طرقات عتيقة، أخشى الحماس والخوض فيها كي لا تفيق الذكريات وتعم الفوضى بين ما كان وما سيكون …
من أنا ؟ ومن سأكون؟! على ذات الدرب مَن اكتفى بالوصول الى بلاد العجم، وتعثّر أول ما تعثّر بحروفها، واختبر بصقيع الخريف بقية فصولها لتضيق حدقة العين، لكنه ما زال يمتهن التصفيق والإعجاب بكل ما يرى ويروى عنها؟!
الجنة ليست بالضرورة عكس النار، فالتقويم هنا ميلاديٌ أيضا والفارق ساعةٌ بين الجحيم والنعيم، والفارق الأشد ألماً أن العدالة هنا ما زالت حيةً تلسع، والنجاح لم يعد بالقرعة أو بالرشوة…
بلا وعيٍ، وعلى حافة البكاء.. هل هي دموع أم ندىً يخترق كالشظايا حجاب القلب في حرب معلنة بين ذاتي ومعصية الغربة الخسيسة التي تمتهن ترطيب رماد الذاكرة؟!
أنا كالقصب في منفاي لن أزاحم أحدا.
سأكمل ما كان، هنا أيضاً سأزرع حرف الضـاد… وسأكون…
الصورة: Aysegul Balkose
كلام كتير جميل وحلو علوش وكلو صح
هنا سنزرع جميعنا حروف الضاد وسنكون…
شكرا لك
لو لم أجد سنزرع وسنكون
لما أستطعت أن أضع تعليقي
خطوةٌ أولى على رؤوس الأصابع في طرقات عتيقة، أخشى الحماس والخوض فيها كي لا تفيق الذكريات وتعم الفوضى بين ما كان وما سيكون …
مقالة جميلة تتضمن واقع يعيشه الكثيرين بالغربة “المنفى” شكراً لكاتبها ققد احسن التعبير