Gylan-Safadi

السيد هاملتون

علي مصطفى الدرزي

 

ها أنت ذا؛ سيّد هاملتون!. دعني فقط أرتب ياقتك. إنّ ذقنكَ الكثّة أزاحتها عن وضعها قليلاً. يبدو أنّك تربي ذقناً منذُ مدة طويلة. سيّد هاملتون. حسناً، لا مشكلة، إنها مثاليّة الآن.

− ولكن، من هاملتون هذا؟ إسمي علي، علي الدرزي، مصياف خانة 186

الدرزي؟ يبدو كإسمٍ إسباني سيد هاملتون، لمن هوَ؟.
ليسَ مهماً الآن، يجب أن نسرع، فقد قارب موعد إلقاءك لخطاب تتويجك على عرش المملكة المتحدة. هيّا، سنغير الطريق المعتاد إلى الشرفة الملكيّة. لن نسلُكَ الممرّ المملوء بالتماثيل البرونزية والحرّاس ذوي قبعات الفرو السوداء، إنّه يؤدي مباشرةً إلى الشرفة. تستطيعُ حقاً منذُ بدايته أن ترى الدرابزون الحجريّ الأبيض.
− نعم، في الحقيقةِ إني أسمع أصواتَ الجماهير.

هل بدأتَ بتدخينِ الحشيشة مؤخراً سيد هاملتون؟ لونكَ يبدو باهتاً و ثمّة بثرةٌ كبيرة أعلى أنفك المستدقّ بشكلٍ غريب. ليسَ مهمّاً. أوه! اثبت لحظةً…
− ماذا هنالك؟ أخبرني.. مالخطب؟
لاشيء. لاشيء سيد هاملتون. ظننتني رأيتُ جرذاً في جيب معطفك. هذا اللون الأحمر يليق بكَ جداً سيد هاملتون.
− شكراً. أخبرني بإسمكَ مرةً أخرى ؟
مرّةً أخرى! أوه سيد هاملتون! يا لك من لعوب! ومتى أخبرتك إياه أول مرة لأعيدهُ عليك؟. إسمي ليسَ مهمّاً الآن، ولا لاحقاً.

تعال من هنا جلالتك. هل تسمحُ لي بأن أناديك “جلالتك”، سيد هاملتون ؟
− لابأس، لا بأس، احذَر وأنتَ تمشي في هذا الممرّ المعتم الرّطب، يبدو خطيراً.
هذا الممرّ؟ آه، لا. كما ترى، سيّد هاملتون، أو جلالتك، هذا الممرّ بني في الأصل قبلَ أن يبنى هذا القصر، إذ كانت تنقل فيه كل المحرّمات منذ السّبي البابليّ، من كلّ أصقاع الأرض و إلى كل أصقاعها. مرّ فيه الزّنج والإفرنج والقفجاق والصقلاب والبوشناق والتاتار والأتراك “أهلُ الله” .. حتّى أن تميم البرغوثي شخصياً مر فيه، وحالياً يستخدمهُ العرب أكثر من غيرهم، القسم الأخير منهُ تحديداً، وقد استخدمناه نحنُ، جلالتك، في إرسال شبابنا الحساسين اللطفاء إلى داعش. هل تعرف داعش سيد هاملتون ؟
− بالطبع، بالطبع أعرفها. ثمّة كيسٌ من الخيش أمامك، انتبه.

ما هذا الكيس؟! لحظةً لأرى. آه! إنّها أطراف ذاك القرصان الصومالي الذي رفضَ تسليمنا سفينتنا التي أعطيناه إياها في المقام الأول.. ليسَ مهماً.
عليكَ أن تخفض رأسك قليلاً بعد، سيد هاملتون، فالممرُّ ضيقٌ قليلاً في هذا القسمِ منه.. أولئك الألمان الجلفاء! ظنوا أن دمهم خفيفٌ بمزاحٍ كهذا.. من يستطيعُ المرورَ في ممرٍّ بسقفٍ منخفض كهذا؟

− لا أشعرُ بأنّ سقفه منخفض .. في الحقيقة.. أشعرُ بانني أنكمش تدريجياً
أوه.. في الحقيقة أنت تبدو أقصر قليلاً سيد هاملتون. وشعرك بدأ يميل إلى السواد. ما من مشكلة، شارف الممر على الانتهاء. يبدو أنّك تربي ذقناً منذُ مدة طويلة، أليس كذلك، جلالتك؟

− لا أذكر صدقني، لا أذكر.
حسناً، حسناً، سندخل الآن في الرواق الأيمن، اتبعني سيد هاملتون وأغلق الباب وراءك من فضلك.

− نعم، لا مشكلة. ولكن هلّا أشعلتَ سراجاً أو قنديلاً ما؟ فقد خيم الظلام فجأة بعد أن أقفلت الباب. يا إلهي! ما هذا! أين نحن؟

لا تجزع، سيد هاملتون، لقد أخطأنا الباب فقط، على كلٍّ إنها فرصةٌ مناسبةٌ لأعرفك على هذا القسم من القصر. تلك الزنازين على يمينكَ هي التي صورت فيها أعمال تعذيب العراقيين على يد الأميركيين في غوانتانامو أو أبو غريب، لم أعد أذكر. ليس لذلك أي قيمة، فقد كان كل ذلك هنا.
أنت تذكر تلك المشاهد حيث تقوم الكلاب بعضّ المساجين العراقيين المغطاة رؤوسهم بقلنسواتٍ سوداء، ألا تفعل سيد هاملتون؟
− أوه، نعم. أذكرها فعلاً.

حسناً، لحسن الحظّ أن هنالك باباً سريّاً وراء هذا الهيكل العظمي. يجدر بك غالباً أن تسدّ أنفك، جلالتك.
− لماذا؟
ستعرفُ حالاً.

− إيه! ماهذه الروائح! إنّها تلدغُ أنفي من الداخل كمائة دبورٍ أحمر.
لحظةً، هذه روائح ثوم وبصل وملوخيّة مجفّفة. هل تعرفون الملوخية في بلادكم؟
بالطبع جلالتك، فقد وصلت الملوخية إلى أوروبا في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، إثر هجرة السوريين إلى القارة العجوز حينها، ويُذكر في كتب التاريخ أنّ كلمة “ملوخيّة” مشتقّة من كلمة “ملوكية” .. والتي تعني في العربية صفة الملك أو الملوك أو الملكية..
− صحيح.. صحيح.. والآن، مالمطلوب منّي؟
المطلوب منك الآن سيد هاملتون هو أن تأكل هذا الصّحن من الملوخيّة قبل أن تتوّج ملكاً على هذه الأرض المحروسة.

− كان بودّي حقاً، ولكنني أعتذر
ما هذا الذي تقوله جلالتك ؟

− كما سمعت. فأنا لا آكل الملوخيّة على الإطلاق. وليست لدي النيّة أن أبدأ بأكلها الآن.
أوه، هكذا إذاً. لا مشكلة جلالتك. فقد تغيّرت، أساساً، في الآونة الأخيرة بشكلٍ مريب. لكَ أن تخرج من هذا الباب على يمينك. وأنا سأذهب للبحث عن سيد هاملتون آخر قبل موعد التتويج.

يبدو أنّك تربي ذقناً منذُ مدة طويلة.. أليس كذلك .. سيد هاملتون؟
− نعم، نعم بالفعل.

 

 

الصورة: غيلان الصفدي 

عن علي مصطفى الدرزي

علي مصطفى الدرزي
شاب سوري، فقط.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.