الصورة: دراسة بالحبر لربيع رعد
الصورة: دراسة بالحبر لربيع رعد

عربة سوداء

بعد انتظارٍ طويل، وستقف قبالتي، بنوافذها الصّغيرة وسقفها الواطئ، سقفها الذي سيجبرني فيما بعد -عندما يدعوني الحوذيُّ للركوب- أن أُبقي رأسي منخفضًا، أو أن أستند بظهري إلى بابها البيضوي، الذي يستندُ بدوره على عجلةٍ ضخمةٍ مزركشةٍ بقضبانٍ زرق وحمر وصفر، أمّا الحُوذي، أو السائق، أو (لا أعرف اسمه جيدًا) فسيستعرض خلال سرعته المجازفة، جميع ما يمتكلك من مواهبِ القيادة، وخاصةً أنّني الرجل الوحيد الذي سيهتزّ في عربته صعودًا ونزولًا، ثم سيصفّق -لا إراديًا- بيديه وقدميه وربّما برأسه أيضًا، سيدعوني لمقهى رخيصٍ (لا أعرف أين) وسيحدّثني طويلًا عن حصانه النحيل الذي يستطيع القفز عن جميع الحواجز المُفترضة التي قد نمرّ بها، وطبعًا حينها لن يطلبوا منّي هويةً تحمل اسمًا ثلاثيًا أو رقم خانةٍ صفراء أو خضراء، ثم وبالتالي لن يسألني أحدُ الذين يرتدون معاطف طويلة وقبعات سود عن وجهتي أو مدينتي أو علاماتي المميّزة أو (بالمناسبة أكثر ما يغيظني في هويّتي تلك العبارة القذرة -العلامات المميّزة- والتي تنتهي -أقصد العبارة- بكلمةٍ محبطة دائمًا: /تام/) ،لأنني وكما أظنُّ لست بتامٍّ، ولو كنت كذلك لَما شرّعت نافذتي الوحيدة والباردة جهةَ الشرق!.

ثم لو كتبوا مثلًا (ناقصًا أو منقوصًا أو…) لكنت بحثت جيدًا عن مكامن ذلك النقص الجمهوري المفترض، ولربّما حين أجده، أقول ربّما، سأصبح تامًّا بطريقةٍ شرقيّةٍ ما، المُهمّ لن تُوقِفنا تلك الحواجز اللعينة، ولن أمرّ بمقهى الرّوضة الدمشقيّ لألتقي كبار المُنظّرين السياسيين والحقوقيين والمثقفين و…، إذ أن المقهى بحمولته تلك، لن يكون قد بني بعد وكما أسلفت سيدعوني الحوذيُّ لمقهىً آخرًا، وسأقول له بوقاحةٍ كلّما حدّثني عن حصانه الإسطوري: أنّه أشبه بحمار الدّون كيشوت في غزواته الفاشلة، وسيغضب طبعًا، ليدعني أدفع ثمن حماقتي تلك جميع ما أملك ثمنًا للقهوة التي شربناها..

وخلال ذلك ستدفع الباب الخشبيّ الصغير امرأةٌ نحيلةٌ ترتدي ثوبًا أبيضًا طويلًا، وقبعةً من الرّيش، ثمّ ستجلس على الطاولة التي في محاذاتنا تمامًا حيثُ يجلس آرنست همنغوي وغسّان كنفاني وصموئيل بيكيت وميلان كونديره (الكائن الذي لا تحتمل خفته)، حيث سأعترف له -بعد ابتعادي عن المقهى بأمتارٍ قليلةٍ فقط- أنّي لا أحبّه، وربّما قد أؤجل اعترافي هذا كي لا أدفع ثمن ما شربوه هم أيضًا من شامبانيا.

وبعد انتظارٍ طويل… الكهرباء التي منّت عيلنا الحكومةُ بشعشعتها ثلاث ساعاتٍ كاملة خلال يومين كاملين أو ناقصين لن تأت، فهي مُطفأة في بلادي منذ سيّدنا (أديسون) قدّس الله سره، وعليه فإن بطّاريّة هاتفي ستفرغ، وهكذا لن يرنّ المنبّه الذي سيُنبّئني بأنّ عملي سيبدأ بعد نصف ساعةٍ فقط، وبالتالي عليّ هذا اليوم أيضًا أن أبقى مُستيقظاً … مُستيقظاً جداً.

عن قصي زهر الدين

قصي زهر الدين
كاتب سوري

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.