مِن المُفارقةِ أن يكونَ “حسن البنّا” مؤسّسُ جماعة الإخوان المسلمين، قد استلهَمَ فكرة إنشاء التنظيم من السعوديّة، الكاره الأكبر لهم تاريخياً، وتحديداً من الملك عبد العزيز آل سعود، الذي بدأ حَربهُ لإخضاع الجزيرة العربيّة بداية القرن العشرين، مُستأنفاً ما بدأهُ جَدّه (محمّد بن سعود) المُتحالف مع (محمد بن عبد الوهاب) سنة 1827، فيما عُرِف وقتذاك بِنخوة أهل العوجا ،المُنطلقة من الدرعيّة، والتي بَقيت عاصمة السعوديّة والوهابيّة إلى أن دمّرها ابراهيم باشا المصري سنة (1818م) عقبَ فشلِ أخيهِ المريض طوسون.
و بالعودة للبنّا، فقد كانت تجربةُ عبد العزيز آل سعود مُلهِمهُ الأوّل لقيادة جيشٍ من الإخوان (وهو اسم جيش ابن سعود آنذاك: جيشُ الإخوان الوهابيّون) وأن يعيد نشر الإسلام بالقوة بعد أن اندثر -حسب رؤيته-.
و المفارقةُ الثانية، هيَ أن يكون أُستاذا حسن البنّا الأبرز، و مَن أخذ عنهما جُلّ أفكاره، هُما الدمشقيّ (محبّ الدّين الخطيب) و اللبنانيّ (رشيد رضا)، و هما مِن الإصلاحيين ، إذ كان رضا من تلامذةِ محمد عبده، تلميذ رائد الإصلاح الأكبر جمال الدين الأفغاني، فقد استقرّ رشيد رضا في مصر، و اتّجه نحو نشرِ أفكار الإصلاح الديني و السياسي، حيثُ أنشأ مجلّة (المنار) و جعل رسالتها: (التربية و التعليم).
أمّا الخطيب، فكان قبل بضع سنوات فقط، يُندّد بِحزب الشّعب السوري، و زعيمه عبد الرحمن الشهبندر، و يحذّر السوريين منهُ و من الهاشميين، لأنّهم يحاولون – حسب وصفه – إقامة خلافةٍ إسلاميّة، في الوقت الذي كان مطلب السوريين الواضح والصريح هو الاستقلال السياسي، وإنشاء دولة وطنيّة، مع مَلكيّة دستوريّة، مَطلع العَقد الثاني من القرن العشرين.
وقد التقاهما حسن البنّا (رضا و محب الدين) في القاهرة بعد نفيِهما من قِبل الإتحاديين، و لجوئهما الى القاهرة، في الوقت الذي كان فيه البنّا في ذروة حماسته، في حين أن (أتاتورك)، كان قد أنهى الخلافة الاسلامية نهائياً، الأمر الذي جعله يرى في شخصه ذلك القائد الإسلامي الذي سيُعيد بسيفهِ أمجاد الخلافة، و يَمحو دولة الكفر .
كان لقاءُ الشيخ رضا بعبد العزيز آل سعود عن طريق مُستشاره المصري الشيخ حافظ، ولحاق صاحبه به محب الدين الخطيب، ما جعلهُما يتحوّلان من الفكر الإصلاحي، و من الحنفيّة الى الوهابيّة الحنبليّة، بعد ان رأيا في ابن سعود القائد والزعيم.
بينما كان حسن البنا يُلاحقهما من مجلسٍ إلى آخر، ليستمع اليهما و يسجل كل ما يقولانه، ثم ليؤسّس في أواخر الثلاثينات (ذراعاً عسكريةً) أو ما سميّ بـ (النظام الخاص)، وهي فرقة سريّة مسلّحة مكلّفة بعمليّات الاغتيال و التفجيرات، و قد نفّذت فعلاً العديد من عمليات التصفية،
طبعاً، منطلقاً من الحديث الشهير ( المسلم القوي خير و أحبّ الى الله من المسلم الضعيف ).
و لعلّ أبرز تلك العمليات كانت اغتيال رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي عام ( 1948 ) ، بعد قرار حل جماعة الأخوان .
وعندما وجّهت المحكمة التهمة للإخوان المسلمين، و لمرشدها حسن البنّا قال الأخير بأنّ مُنفّذ العملية (واسمه عبد المجيد أحمد ) قال بأنّهُ (ليس من الأخوان، و ليس من المسلمين ).
لم يتعمّق البنا كثيراً بعلوم الدين و دراسة الفقه و الدعوة، فهو لم يكن يريدُ تأليف الكتب بل تأليف الرجال، لذلك، وعندما عُيِّنَ مُدرّساً للخطِّ العربي في الإسماعيليّة لم يتوجّه بخُطّته للمساجد و المصلين، بل للناس في المقاهي من غير المداومين على الصلاة، ومن الأقل تَديّناً، فقد كان اصطيادهم أسهل بالنسبة لرجلٍ -برغم قلّة علمه- إلّا أنّه يعرف جيّداً مايريد.
فبدأ بجمع بعض الأشخاص في المقهى ليحدّثهم عن الإسلام الضائع، وانحلال الأخلاق وكفر الحكومة ، والعدالة الاجتماعيّة.
وسرعان ما لاقت كلماته و خطبه استحساناً مُلفتاً. و بدأ الناس يجتمّعون فعلاً حوله، ويقصدونه من الأحياء المجاورة ليستمعوا للخواجة أستاذ الخط، الذي يرتدي بدلة الأفنديّة.
وليس بعد وقت طويل، سوف يُصرّح لجمهوره و معجبيهِ قائلاً : (لماذا لا نُشكّل جمعية تُوصلُ أصواتنا للعالم؟ ولِمَ لا نُسمّيها جَمعيّة الإخوان المسلمين؟) .
وهو ما حدث سنة 1928 ، وما باتَ يُعرف بعامِ التأسيس.
أمّا شِعارُ الإخوان فهو أيضاً مأخوذٌ من شِعار راية ابن سعود ذاتها :
السيفان و بينهما القرآن (أي الفكرةُ و القوة) مُضيفاً عليها كلمة (و أعدّوا) في إشارةٍ للآية الشهيرة .
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.